اضطراب ثنائيّ القطب: أعراض، وأسباب، وعلاج
الاضطرابات ثنائيّة القطب (بالإنجليزيّة: Bipolar Disorders) تتّسم بوجود النوبات الهوسيّة؛ والنوبات الهوسيّة هي أطوار واضحة من الطاقة العالية. عادةً ما تتجلّى التقلّبات غير المعتادة في المزاج والطاقة في زيادة مستويات النشاط، وتخلّ بالقدرة على أداء الوظائف. قد يكون الخلل الناجم عن اضطراب ثنائيّ القطب شديدًا، ومن المحتمل أن يؤدّي إلى علاقات معطوبة، وأداء وظيفيّ أو مدرسيّ رديء، وحتّى الانتحار.
هناك أنواع عديدة ومختلفة من اضطراب ثنائيّ القطب:
- اضطراب ثنائيّ القطب من النوع الأوّل (بالإنجليزيّة: Bipolar I): يشير إلى حالة يعاني فيها الفرد من نوبة هوسيّة كاملة لمدّة أسبوع واحد على الأقلّ، وقد يعاني أو لا من الاكتئاب. يُحتمَل أن تكون الأعراض الهوسيّة شديدة للغاية إلى حدّ يتطلّب دخول المستشفى.
- اضطراب ثنائيّ القطب من النوع الثاني (بالإنجليزيّة: Bipolar II): يشير إلى وجود حاليّ أو سابق لنوبة هوسيّة خفيفة، بالإضافة إلى وجود حاليّ أو سابق لنوبة اكتئاب رئيسيّ. والنوبة الهوسيّة الخفيفة هي شكل أقلّ شدّة من الهوس إلى حدّ ما، وتستمر لمدّة لا تقلّ عن (4) أيّام متتالية.
- اضطراب المزاج الدورويّ (بالإنجليزيّة: Cyclothymic Disorder) أو دورويّة المزاج (بالإنجليزيّة: Cyclothymia): يشير إلى تقلّب متكرّر بالمزاج الاكتئابيّ والهوسيّ الخفيف على مدى عامين على الأقلّ عند الراشدين.
وفقًا للمعهد الوطنيّ للصحّة النفسيّة (بالإنجليزيّة: National Institute of Mental Health، واختصاره: NIMH)، يصيب اضطراب ثنائيّ القطب حوالي (4.4%) من الراشدين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في مرحلة ما من حياتهم. تحدث هذه الحالة بتواتر متساوٍ بين الذكور والإناث. متوسّط العمر لبداية ظهور هذه الحالة هو (25) سنة؛ لكن قد يبدأ اضطراب ثنائيّ القطب في مرحلة الطفولة، أو في مرحلة متأخّرة من الحياة. عادةً ما تكون الاضطرابات ثنائيّة القطب حالات مزمنة، وتتطلّب تدبيرًا مدى الحياة. يمرّ أكثر من (90%) من الأشخاص الذين يتعرّضون لنوبة هوسيّة واحدة بنوبات متكرّرة من الهوس أو الاكتئاب.
غالبًا ما يُوصَف الأشخاص الذين يمرّون بنوبة هوسيّة بأنّهم مفرطي البهجة أو أنّهم يشعرون بسعادة لا توصف. ولكن في كثير من الأحيان، يكون المزاج السائد خلال النوبة الهوسيّة هو سرعة الانفعال. بالإضافة إلى ذلك، قد يبدي الأشخاص خلال مرورهم بنوبة الهوس تضخّمًا مفاجئًا في تقدير الذات، وانخفاض الحاجة إلى النوم، والثرثرة، والتشتّت، وغالبًا ما ينخرطون في نشاطات تنطوي على احتمالية عالية لعواقب مؤلمة (مثلًا: المقامرة، والإنفاق الباهظ، والأعمال الجنسية الطائشة). يتشابه الهوس الخفيف مع الهوس من حيث إمكانيّة لحظ الآخرين للاضطراب في المزاج وتغيّر الأداء الوظيفيّ؛ إلّا أنّ النوبة ليست شديدة بما يكفي لتسبّب خللًا رئيسيًّا في الأداء الوظيفيّ الاجتماعيّ أو المهنيّ، أو لتتطلّب دخول المستشفى.
خلال النوبة الهوسيّة، قد يبدأ الشخص عدّة مشاريع جديدة وينتابه شعور بأنّه قادرعلى إنجاز أيّ شيء بصرف النظرعن مستوى خبرته أو موهبته. وإحدى السمات الأكثر شيوعًا للهوس هي انخفاض الحاجة إلى النوم؛ فقد يمضي الشخص أيّامًا بلا نوم دون أن يخالجه أيّ شعور بالتعب. غالبًا ما تتسارع أفكار الشخص المصاب بالهوس، متفوّقةً في تسارُعها على القدرة على التعبير عنها؛ ما قد يتسبّب في تقلّب سريع بالمواضيع، وكلام مُستعجَل وغير مترابط. وأحيانًا، يبدي الأشخاص عداءً وتهجّمًا غاضبًا في أثناء النوبة، خصوصًا إذا ما حاول أحد مقاطعتهم.
يبدي الأطفال المعرّضون لخطر الإصابة باضطراب ثنائيّ القطب تسلسلًا تطوّريًّا يبدأ بأعراض غير خاصّة باضطراب ثنائيّ القطب، بالأخصّ مشكلات النوم والقلق. تتقدّم الحالة من اضطراب مزاجيّ طفيف إلى اضطراب اكتئابيّ رئيسيّ في مرحلة المراهقة. ومع الانتقال إلى سنّ الرشد، يتطوّر الاضطراب ثنائيّ القطب الكامل، عادةً من خلال نوبة هوس أو هوس خفيف أو نوبة ذهان أولى بعد نوبة اكتئاب.
من سمات الحالة أنّ الأشخاص الذين يتعرّضون للهوس لا يدركون أنّهم عليلين أو بحاجة للعلاج ويقاومون الانخراط به. للتشخيص والعلاج أهمّيّة بالغة؛ فخطر الانتحار على مدى الحياة عند الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب هو على الأقلّ (15) أضعاف ذلك الذي عند عامّة الناس. في كثير من الأحيان لا يتعرّف الأطبّاء على اضطراب ثنائيّ القطب، أو يخلطون بينه وبين حالات أخرى؛ فيعاني الأشخاص لسنوات قبل تلقّي العلاج المناسب.
ما هي أعراض اضطراب ثنائيّ القطب؟
وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Health, Fifth Edition، واختصاره: DSM-5)، تتجلّى نوبة الهوس في في مزاج مفرط النشوة أو التّوسع أو سرعة الانفعال لمعظم اليوم، وبشكل يوميّ، ولمدّة لا تقلّ عن أسبوع، ويصطحبها زيادة غير طبيعيّة ومستمرّة في النشاط والطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يجب وجود (3) -أو (4) إذا ما كان المزاج السائد هو سرعة الانفعال- من العلامات التالية:
- تضخّم تقدير الذات أو العظمة، ويتضمّن ذلك معتقدات غير واقعيّة عن قدرات الفرد وقواه.
- انخفاض الحاجة للنوم.
- ثرثرة غير معتادة أو استعجال للاستمرار في التكلّم.
- تعاقب سريع ومتواصل لأفكار ذات صلة سطحيّة، ويتمثّل في كلام مستعجل مع تحوّلات مفاجئة ومتكرّرة في المواضيع؛ أو الإحساس أنّ الأفكار تتسارع.
- التشتّت.
- زيادة النشاط الموجّه نحو هدف معيّن، مثل مشاريع العمل أو المدرسة، أو النشاط دون هدف (هياج نفسيّ حركيّ).
- التورّط في أنشطة من الأرجحيّة أن أن يترتّب عليها عواقب مؤلمة، مثل التسوّق العشوائيّ، والأعمال الجنسيّة الطائشة، والاستثمارات التجاريّة السيّئة.
بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ ارتباك المزاج كافٍ ليسبّب خللًا بارزًا في الأداء الوظيفيّ الاجتماعيّ أو المهنيّ، أو ليتطلّب دخول المستشفى لمنع إيذاء النفس أو بسبب وجود خصائص ذهانيّة.
علاوة على ذلك، لا يمكن تفسير وجود النوبة من خلال أدوية مبتلعة، أو سوء تعاطي المخدرّات، أو حالة طبّيّة.
يتضمن الهوس الخفيف -وهو شكل من الهوس أكثر اعتدالًا- تغيّرًا جليًّا في الأداء الوظيفيّ، وإن كان لا يتجاوز مدّة (4) أيّام أو أكثر؛ إلّا أنّه لا يتضمّن عادةً قصورًا ملحوظًا في الأداء الاجتماعيّ أو المهنيّ. في الواقع، قد يشعر الشخص بشعور جيّد وإنتاجيّة عالية؛ ممّا يجعل من الصعب على الشخص أو من حوله تحديد نوبة الهوس الخفيف.
تتميّز اضطرابات ثنائيّ القطب عادةً بحدوث نوبة اكتئابيّة واحدة على الأقلّ. تتّسم النوبة الاكتئابيّة بمزاج كئيب، أو فقدان المتعة أو الاهتمام، أو الشعور باليأس لمدّة أسبوعين على الأقلّ. وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة، تتواجد أيضًا (5) على الأقلّ من الأعراض التالية:
- مزاج حزين، أو قلِق، أو فارغ متواجد خلال معظم اليوم، يوميًّا.
- فقدان الاهتمام أو المتعة بجميع الأنشطة أو معظمها متواجد معظم اليوم، يوميًّا.
- كسب الوزن أو خسارته غير المتعمّدين.
- الأرق أو النوم المفرط.
- عدم سكينة ملحوظ (هياج نفسيّ حركيّ) أو تباطؤ (تخلّف نفسيّ حركيّ).
- التعب أو فقدان الطاقة ما يقارب كل يوم.
- مشاعر الذنب أو انعدام القيمة.
- قدرة متضائلة على التركيز، أو التردّد.
- أفكار متكرّرة عن الموت أو الانتحار، أو محاولات الانتحار.
تسبّب الأعراض ضيقًا أو خللًا في الأداء الوظيفيّ، وهي ليست نتيجة لتأثيرات مادّة أو حالة طبيّة.
في بعض الأحيان، تتضمّن النوبات الشديدة من الهوس أو الاكتئاب أعراض الذهان. والأعراض الذهانيّة الشائعة هي الهلوسات (سماع أشياء غير موجودة في الواقع، أو رؤيتها، أو الحسّ بوجودها بطريقة أخرى)، والأوهام (معتقدات خاطئة يتمسّك بها الشخص بقوّة، ولا تتأثّر بالتفكير المنطقيّ، ولا يمكن تفسيرها بمفاهيم الشخص الثقافيّة المعتادة). تعكس الأعراض الذهانيّة في اضطراب ثنائيّ القطب تطرّف الحالة المزاجيّة في حينها. على سبيل المثال، قد تحدث أوهام العظمة (مثلًا: اعتقاد الشخص أنّه الرئيس، أو أنّ لديه قوى خاصّة أو ثروات) أثناء نوبة الهوس؛ أمّا أوهام الذنب أو انعدام القيمة (مثلًا: اعتقاد الشخص أنّه مفلس ومُعوِز، أو أنّه ارتكب جريمة مروّعة) فقد تظهر أثناء الاكتئاب. لهذا السبب، يتمّ أحيانًا تشخيص اضطراب ثنائيّ القطب بشكل خاطئ على أنّه فصام (بالإنجليزيّة: Schizophrenia).
ومع ذلك، قد تحدث أعراض الهوس والاكتئاب في الوقت عينه عند بعض الأشخاص؛ ويُشار إلى هذه الحالة باضطراب ثنائيّ القطب ذو السمات المختلطة. غالبًا ما تشمل أعراض السمات المختلطة: الهياج، وصعوبة النوم، والتغيّر الملحوظ في الشهيّة، والذهان، والتفكير الانتحاريّ. قد يشعر الشخص بمزاج من الحزن واليأس، ويشعر في الوقت عينه أنّه مفعم بالطاقة.
قد يصبح لدى بعض الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب رغبة بالانتحار. يحتاج أيّ شخص يفكّر بالانتحار إلى عناية فوريّة من ممتهن صحّيّ. يجب أخذ الحديث عن الانتحار على محمل الجدّ. يبدو خطر الانتحار أعلى في أوائل مسار المرض. يمكن أن يقلّل التعرّف المبكّر على اضطراب ثنائيّ القطب وتعلّم أفضل السبل لتدبيره من خطر الموت عن طريق الانتحار.
تتكرّر نوبات الهوس والاكتئاب إجمالًا على مدى الحياة. تختفي الأعراض لدى معظم الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب بين نوبة وأخرى؛ لكن توجد بعض الأعراض المترسّبة لدى الثلث منهم. تعاني نسبة صغيرة من أعراض مزمنة غير مهاودة على الرغم من العلاج.
يمكن للأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب عيش حياة صحّيّة ومنتجة إذا تمّ علاج المرض بشكل فعّال. أمّا في حال غياب العلاج، فقد يزداد الدوران المزاجيّ في التواتر والشّدّة.
يمكن أن يتطوّر اضطراب ثنائيّ القطب لدى كلّ من الأطفال والمراهقين. غالبًا ما يعاني الأطفال والمراهقون الصغار من تأرجحات مزاجيّة سريعة ما بين الاكتئاب والهوس عدّة مرّات في اليوم. من المرجّح أن يتجلّى الهوس عند الأطفال بسرعة الانفعال، وبكونهم عرضة لنوبات الغضب التخريبيّة. إنّ وجود الأعراض المختلطة شائع أيضًا عند الشباب المصابين باضطراب ثنائيّ القطب. قد يكون لدى المراهقين الأكبر سنًّا الذين يتطوّر لديهم المرض نوبات وأعراض الراشدين التقليديّة.
قد يكون من الصعب تمييز اضطراب ثنائيّ القطب عند الأطفال والمراهقين عن المشكلات الأخرى التي تحدث لدى هذه الفئات العمريّة. إذ إنّ سرعة الانفعال والعدوانيّة من أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (بالإنجليزيّة: Attention Deficit / Hyperactivity Disorder)، واضطراب السلوك (بالإنجليزيّة: Conduct Disorder)، واضطراب المعارض المتحدّي (بالإنجليزيّة: Oppositional Defiant Disorder) أيضًا.
سوء تعاطي الكحول والعقاقير شائع جدًّا بين الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب. قد تساهم عوامل عدّة في نشوء مشكلات سوء تعاطي الموادّ، بما فيها التداوي الذاتيّ لتخفيف الأعراض. بينما، أمّا الأعراض المزاجيّة فيمكن أن تحدث بسبب سوء تعاطي المواد، أو تُدام بسببه. يمكن أن توجد عوامل خطر تساهم في حدوث كلّ من اضطراب ثنائيّ القطب واضطرابات تعاطي الموادّ. يجب علاج سوء تعاطي المواد المتزامن -عند وجوده- ضمن خطّة علاجيّة شاملة.
قد تتزامن أيضًا اضطرابات القلق، مثل نوبات الهلع (بالإنجليزيّة: Panic Attacks) واضطراب القلق الاجتماعيّ (بالإنجليزيّة: Social Anxiety Disorder)، عند الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب. قد تستجيب اضطرابات القلق المتزامنة للعلاج المُستخدَم لاضطراب ثنائي القطب، أو قد تتطلّب علاجًا منفصلًا.
ما هو اضطراب ثنائيّ القطب سريع الدّوران؟
عندما تحدث (4) نوبات أو أكثر من المرض خلال مدّة (12) شهرًا، يُقال أنّ الشخص مصاب باضطراب ثنائيّ القطب سريع الدوران. يعاني بعض الأشخاص من نوبات متعدّدة خلال الأسبوع الواحد، أو حتّى خلال اليوم الواحد. يميل الدوران السريع إلى النشوء لاحقًا في مسار المرض، وهو أكثر شيوعًا عند النساء منه عند الرجال.
ما هي أسباب اضطراب ثنائيّ القطب؟
يشكّل سبب اضطراب ثنائيّ القطب موضوع العديد من الأبحاث. يجمِع العلماء اليوم على أنّ اضطراب ثنائيّ القطب لا يَنتج عن سبب واحد، بل عوامل عديدة.
تؤدّي الجينات دورًا في نشوء اضطراب ثنائيّ القطب. في الواقع، يشكّل وجود تاريخ عائليّ للمرض واحدًا من أقوى عوامل خطر نشوئه. يزداد خطر الإصابة بالحالة (10) أضعاف عند الأقارب الراشدين للأشخاص المصابين باضطرابات ثنائيّ القطب من النوع الأوّل والنوع الثاني. لكن لم يتمّ ربط الحالة بجينات معيّنة. كما هو الحال مع العديد من الأمراض النّفسيّة الأخرى، تساهم جينات متعدّدة -كلّ منها بتأثير ضئيل- في أرجحيّة تطوّر الاضطراب. هناك بعض الأدّلة على أنّ اضطرابات المزاج والقلق والاضطرابات الذهانيّة تحدث بتواتر أكبر لدى عائلات الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب مقارنةً بعامّة الناس. تشير دراسات التوائم المتطابقة الذين يتشاركون كافّة الجينات عينها إلى أنّ عوامل أخرى غير الجينات -مثل أحداث مكرِبة للغاية- تؤدّي دورًا أيضًا في تسريع حدوث اضطراب ثنائيّ القطب. من المرجّح إذًا أنّ العديد من الجينات تعمل معًا في توليفة مع عوامل موجودة في بيئة الشخص.
تظهر دراسات تصوير الدماغ أنّ أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب قد تختلف عن أدمغة الأفراد الأصحّاء. على سبيل المثال، حدّد الباحثون عدّة مناطق في الدماغ تتّصف بانخفاض سماكة القشرة. تظهر دراسات أخرى أنّ عمليّة معالجة المنبّهات الحسّيّة تكون معطّلة أثناء نوبات الهوس والاكتئاب؛ ما قد يكون السبب الكامن وراء أخطاء الإدراك.
هل يرتبط الأداء الوظيفي للغدة الدرقيّة باضطراب ثنائيّ القطب؟
غالبًا ما يكون لدى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب، خصوصًا أولئك الذين لديهم دوران مزاجيّ سريع، أداء وظيفيّ غير طبيعي للغدّة الدرقيّة. نظرًا لأنّ فرط هرمون الغدة الدّرقية أو ضآلته يمكن أن يقود وحده إلى تغيّرات في المزاج والطاقة، يتمّ عادةً مراقبة المستويات الدرقيّة بعناية من قبل الطبيب. قد يتسبّب العلاج بالليثيوم (Lithium) في مستويات درقيّة منخفضة عند بعض الأشخاص؛ ممّا يؤدّي إلى الحاجة إلى المكمّلات الدرقيّة.
ما هو علاج اضطراب ثنائيّ القطب؟
اضطرابات ثنائيّ القطب هي حالات ذات قابليّة عالية للعلاج، حتّى في أكثر الإصابات شدّة. كلّما بدأ العلاج عاجلًا، زادت أرجحيّة انخفاض شدّة النوبات الهوسيّة والاكتئابيّة وتواترها. بما أنّ اضطرابات ثنائيّ القطب هي حالات مستمرّة مدى الحياة، يستمرّ العلاج أيضًا مدى الحياة. لا يهدف العلاج فقط إلى علاج الأعراض، إنّما إلى منع تكرارها أيضًا. يمكن لمعظم الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب تحقيق استقرار كبير في تأرجحاتهم المزاجيّة والأعراض ذات الصلة.
تجمع استراتيجيّة العلاج الأكثر فعّاليّة بين الأدوية والعلاج النفسيّ. إضافةً على ذلك، يتمّ غالبًا إرشاد المرضى على الاحتفاظ بجدول للأعراض المزاجيّة اليوميّة، والعلاجات، وأنماط النوم، والأحداث الحياتيّة. قد تَبيّن أنّ مثل هذا التتبّع يساعد المرضى وعائلاتهم على فهم المرض وتدبيره بشكلٍ أفضل؛ إذ يمكن غالبًا رصد التغيّرات المزاجيّة في الوقت المناسب من أجل منع حدوث نوبة كاملة. حتّى في حال عدم وجود فترات الانقطاع من العلاج، يمكن حدوث التغيّرات المزاجيّة ويجب إبلاغ الطبيب عنها على الفور، والذي قد يجري التعديلات على الخطة العلاجيّة.
الأدوية
في حين أنّه يجوز لأطبّاء الرعاية الأوليّة غير المختصّين بالطب النفسيّ وصف الأدوية ذات التأثير النفسيّ، يوصى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب بزيارة طبيب نفسيّ للعلاج. يُشاع استخدام عدّة أنواع من الأدوية لعلاج اضطراب ثنائيّ القطب.
مثبّتات المزاج
تُوصَف مثبّتات المزاج (بالإنجليزيّة: Mood Stabilizers) عادةً للسيطرة على النوبات الهوسيّة. لعلّ الليثيوم هو مثبّت المزاج الأكثر شهرة. الليثيوم هو أوّل دواء مثبّت للمزاج توافق عليه هيئة الأغذية والأدوية الأمريكيّة (بالإنجليزيّة: U. S. Food and Drug Administration، واختصارها: FDA) لعلاج الهوس، وغالبًا ما يكون فعّالًا جدًّا في السيطرة على الهوس ومنع تكرار كلّ من النوبات الهوسيّة والاكتئابية. تشمل الأنواع الأخرى من مثبّتات المزاج مضادّات الاختلاج التالية: لاموتريجين (Lamotrigine)، وحمض الفالبرويك (Valproic Acid)، وديفالبروكس الصوديوم (Divalproex Sodium)، وكاربامازيبين (Carbamazepine). وافقت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكيّة على الفالبروات (Valproate) لعلاج الهوس عام (1995).
عادةً ما يُعالَج الأطفال والمراهقون المصابون باضطراب ثنائيّ القطب بالليثيوم؛ لكن يُستخدَم أيضًا الفاليبروات والكاربامازبين.
الأدوية المضادّة للاختلاج
قد تُدمَج الأدوية المضادّة للاختلاج (بالإنجليزيّة: Anticonvulsant Medications) مع الليثيوم، أو مع بعضها البعض؛ بهدف تحقيق أقصى قدر من المفعول. تُضاف أدوية أخرى عند الضرورة، عادةً لفترات أقصر، لعلاج نوبات الهوس أو الاكتئاب.
مضادّات الاكتئاب
يؤدّي العلاج بمضادّات الاكتئاب (بالإنجليزيّة: Antidepressants) في بعض الأحيان إلى تبدّل المزاج؛ ممّا يثير نوبة هوسيّة، أو نوبة هوسيّة خفيفة، أو الدوران السريع. تتطلّب عمومًا الحماية من تبدّل المزاج الأدوية المثبّتة للمزاج، بمفردها أو في توليفة مع مضادّات الاكتئاب.
الأدوية المضادّة للذهان
تُستخدم الأدوية المضادّة للذهان (بالإنجليزيّة: Antipsychotic Medications) أيضًا في الكثير من الأحيان للمساعدة في السيطرة على الأعراض الهوسيّة والاكتئابيّة في اضطراب ثنائيّ القطب، وبعضها يساعد كذلك في تثبيت المزاج. تشمل الأدوية المضادّة للذهان أولانزابين (Olanzapine) وكويتيابين (Quetiapine) وريسبيريدون (Risperidone) من بين أدوية أخرى.
إذا كان الأرق مشكلة، قد تساعد أدوية البنزوديازيبين (Benzodiazepine) ذات القدرة العالية، مثل كلونازيبام (Clonazepam) أو لورازيبام (Lorazepam). لكن نظرًا لأنّ هذه الأدوية قد تؤدي إلى التعوّد عليها، من الأفضل وصفها لمدّة قصيرة. تُستخدَم أحيانًا أنواعًا أخرى من الأدوية المهدّئة مثل الزولبيديم (Zolpidem) عوضًا عن أدوية البنزوديازيبين.
قد تكون أحماض أوميغا (3) الدهنيّة الموجودة في زيت السمك مجدية في حال استخدامها بمفردها أو في توليفة مع الأدوية التقليديّة، وذلك كعلاج طويل الأمد لاضطراب ثنائيّ القطب.
الرعاية الطبّيّة في ظلّ العلاج
قد تشمل الإدارة الفعّالة لاضطراب ثنائيّ القطب تغيّرات بالخطة العلاجيّة، في أوقات مختلفة على مدار مسار المرض. يجب لأيّة تغييرات في نوع الدواء أو جرعته أن تكون تحت توجيه طبيب نفسيّ. ولتجنّب التفاعلات الضارّة، يجب على المرضى إعلام الطبيب النفسيّ عن كلّ الأدوية الموصوفة طبّيًّا، أو الأدوية المتاحة دون وصفة، أو المكملات الطبيعيّة الأخرى التي قد يتناولونها.
لجميع الأدوية آثار جانبيّة. وبحسب الدواء، قد تشمل الآثار الجانبية كسب الوزن، والغثيان، والارتعاشات، وانخفاض الدافع الجنسي، والقلق، وفقدان الشعر، ومشكلات الحركة، وجفاف الفم. قد يتطلّب الحصول على التوازن الأفضل لفوائد العلاج تعديلات على الجرعة أو نوع الدواء تحت رقابة الطبيب. لا يجوز تغيير الدواء أو إيقافه إلا بإرشاد من الطبيب النفسيّ.
العلاج النفسيّ
وثّقت الدراسات أنّ العديد من أنواع العلاج النفسيّ المتوفّرة للمرضى وعائلاتهم يمكن أن تؤدّي إلى زيادة ثباتيّة المزاج، وتقليل دخول المستشفى، وتحسين الأداء الوظيفيّ في العديد من المجالات. التدخّلات النفسيّة العلاجيّة المشاع استخدامها لاضطراب ثنائيّ القطب هي:
- العلاج المعرفيّ السلوكيّ (بالإنجليزيّة : Cognitive Behavioral Therapy، واختصاه :CBT).
- التثقيف النفسي (بالإنجليزيّة: Psychoeducation).
- العلاج الأسريّ (بالإنجليزيّة: Family Therapy).
- علاج النَظْم الشخصيّ والاجتماعيّ (بالإنجليزيّة: Interpersonal and Social Rhythm Therapy، واختصاره: IPSRT) الذي يؤكّد على أهميّة إنشاء أنماط يوميّة ثابتة للنوم والاستيقاظ؛ حيث إنّ اليقظة الطويلة هي محفّز معروف للنوبات الهوسيّة.
يتضمّن التثقيف النفسيّ تعليم الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب عن الحالة وعلاجها وكيفيّة التعرّف على علامات الانتكاس؛ كي يلتمسون التدخّل المبكّر قبل حدوث نوبة كاملة. غالبًا ما يكون التثقيف النفسيّ مفيدًا لأفراد الأسرة أيضًا.
يساعد علاج النظم الشخصيّ والاجتماعيّ الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب على تحسين العلاقات وتنظيم الروتين اليوميّ. يمكن للحفاظ على روتين يوميّ وجدول للنوم المساعدة في الحماية من النوبات الهوسيّة.
العلاج بالصدمات الكهربائيّة
في المواقف الحرجة (مثلًا: الذهان أو الأفكار الانتحاريّة) حيث أثبتت الأدوية والعلاج النفسيّ الاجتماعيّ والجمع بين هذه التدخلات عدم فعاليّتها أو بطء عملها في الحدّ من الأعراض الشديدة، يمكن اللجوء إلى العلاج بالصدمات الكهربائيّة (بالإنجليزيّة: Electroconvulsive Therapy، واختصاره: ECT). يمكن أيضًا اللجوء إلى العلاج بالصدمات الكهربائيّة لعلاج النوبات الحادّة عندما تجعل الأوضاع الطبّيّة -بما فيها الحمل- استخدام الأدوية غايةً في الخطورة. العلاج بالصدمات الكهربائيّة هو علاج ذو فعّاليّة عالية للنوبات الاكتئابيّة الشديدة أو الهوسيّة أو المختلطة. قلّت احتماليّة حدوث مشكلات في الذاكرة الطويلة الأمد بشكل بارز من خلال التقنيّات الحديثة للعلاج بالصدمات الكهربائيّة.
أيّ نوع من المعالجين يجب اللجوء إليه لعلاج اضطراب ثنائيّ القطب؟
عادةً يقدّم المختصّ النفسيّ أو الاجتماعيّ المُجاز، أو الاستشاريّ النفسي المُجاز العلاجات، ويعملون في الكثير من الأحيان بالتنسيق مع الطبيب النفسيّ من أجل مراقبة تقدّم المريض. يساعد العلاج المعرفيّ السلوكيّ الأشخاص المصابين باضطراب ثنائيّ القطب على تعلّم تغيير أنماط الفكر والسلوكيّات غير الملائمة أو السلبيّة المرتبطة بالمرض. أمّا العلاج العائليّ فيساعد على التخفيف من حدّة الضائقة العائليّة التي قد تساهم في ظهور أعراض المريض أو تنتج عنها.
التعليقات مغلقة.