اضطراب الوسواس القهريّ: أعراض، وأسباب، وعلاج

اضطراب الوسواس القهريّ (بالإنجليزيّة: Obsessive Compulsive Disorder، واختصاره: OCD) هو اضطراب عقليّ يعاني فيه الأشخاص من وساوس (بالإنجليزيّة: Obsessions) وينخرطون في أفعال قهريّة (بالإنجليزيّة: Compulsions) استجابةً لها. وتتمثّل الوساوس في أفكار، أو مشاعر، أو صور، أو أحاسيس متكرّرة وغير مرغوب فيها؛ أمّا الأفعال القهريّة فتتمثّل في سلوكيّات أو أفعال عقليّة استجابةً لتلك الوساوس.

غالبًا ما ينفّذ الشخص المصاب بالوسواس القهريّ الأفعال القهريّة بهدف التخلّص مؤقتًا من تأثير الوساوس أو تقليله؛ أمّا الامتناع عن القيام بها فيسبّب الضيق. يختلف الوسواس القهريّ في شدّته؛ لكن إذا تُرِك دون علاج، يمكن أن يحدّ من قدرة الشخص على الأداء في العمل، أو المدرسة، أو المنزل.

تشير التقديرات إلى أنّ الوسواس القهريّ يؤثّر على أكثر من (2%) من الراشدين في الولايات المتّحدة في مرحلة ما من حياتهم. يمكن أن تكون المشكلة مصحوبة بحالات أخرى، بما في ذلك اضطرابات القلق، والاكتئاب، واضطرابات الأكل. يظهر المرض عادةً للمرّة الأولى في مراحل الطفولة، أو المراهقة، أو الرشد المبكّر.

أعراض اضطراب الوسواس القهريّ

وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، واختصاره: DSM-5)، تتضمّن معايير التشخيص باضطراب الوسواس القهريّ وجود وساوس، أو أفعال قهريّة، أو كليهما. ويُقصَد بكلّ من الوساوس والأفعال القهريّة ما يلي:

  • الوساوس: أفكار، أو دوافع ملحّة، أو صور متكرّرة، واقتحاميّة، وغير مرغوب بها، وتسبّب القلق أو الضيق لمعظم الناس. يحاول الفرد تجاهلها، أو قمعها، أو تحييدها بفكرة مختلفة أو فعل مختلف.
  • الأفعال القهريّة: سلوكيّات أو أفعال عقليّة متكرّرة يشعر الفرد أنّه مضطرّ لفعلها استجابةً لوسواس ما، أو بناءً على قواعد صارمة. تهدف الأفعال القهريّة إلى التصدّي للقلق أو الضيق، أو منع حدث أو موقف مخوفَين؛ غير أنّها غير مرتبطة واقعيًّا بهذه النتائج، أو أنّها مبالغ فيها.

تستغرق هذه الوساوس أو الأفعال القهريّة أكثر من ساعة في اليوم، أو تسبّب للشخص ضيقًا أو اعتلالًا ملحوظَين عياديًّا. لتشخيص الوسواس القهريّ، لا يجب تفسير الأعراض تفسيرًا أفضل عن طريق تأثيرات بعض الموادّ، أو اضطراب عقليّ، أو حالة طبّيّة أخرى.

يمكن أن تختلف التفاصيل المحدّدة للوساوس بشكل كبير؛ فقد تشمل ما يلي:

  • أفكار عن التلوّث.
  • الرغبة في الانتظام.
  • الأفكار المتعلّقة بالمحظورات كالجنس، أو الدين، أو إيذاء النفس أو الآخرين.

يلجأ معظم الأشخاص المصابين بالوسواس القهريّ إلى الأفعال القهريّة استجابةً لوساوسهم. يمكن أن تشمل الأفعال القهريّة أفعالًا عقليّة غير ملحوظة ظاهريًّا. كما يمكن أن تشتمل على سلوكيّات مثل:

  • الاغتسال.
  • إعادة ترتيب الأشياء أو عدّها.
  • التماس الطمأنينة.
  • التحقّق، على سبيل المثال: التحقّق لمعرفة ما إذا كان الفرن مطفأ أو الباب مغلقًا.

قد تخفّف الأفعال القهريّة مؤقّتًا من المشاعر النابعة من الوساوس، بما في ذلك القلق، أو الضيق، أو الإحساس بأنّ شيئًا ما ليس على ما يرام.

إضافةً إلى ما سبق، قد يتجنّب الأشخاص المصابون بالوسواس القهريّ الأشخاص، أو الأماكن، أو الأشياء التي قد تسثير لديهم الوساوس والأفعال القهريّة. غالبًا ما يكون لديهم أيضًا معتقدات مختلّة وظيفيًّا، ومنها:

  • إحساس متزايد بالمسؤوليّة.
  • عدم تحمّل عدم اليقين.
  • السعي نحو المثاليّة.
  • نظرة مبالغ فيها لأهميّة الأفكار المزعجة.

يختلف الأفراد المصابون بالوسواس القهريّ في درجة استبصارهم للحالة؛ والاستبصار (بالإنجليزيّة: Insight) هو وعي الفرد بما يدور داخل عقله، والدراية بمكنون عقله الباطن. قد يدرك الشخص الذي يتمتّع باستبصار جيّد أنّ المعتقدات المتعلّقة بالوسواس القهريّ -كالاعتقاد أنّ أداء أحد الأفعال القهريّة سيمنع وقوع حدث مروّع– ليست صحيحة في الواقع. بالمقابل، قد يعتقد الشخص ذو الاستبصار الضعيف أنّ مثل هذه المعتقدات صحيحة، أو من المحتمل أن تكون صحيحة.

من المحتمل أن تختلف شدّة الأعراض بمرور الوقت؛ لكن يمكن أن يستمرّ الاضطراب لسنوات أو عقود في حال تركه دون علاج.

هل هناك اضطرابات من الشائع أن تتزامن مع الوسواس القهريّ؟

كثيرًا ما يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهريّ من شكل آخر من أشكال المرض العقليّ. وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة، يتمّ تشخيص حوالي (75%) من الراشدين المصابين بالوسواس القهريّ في مرحلة ما من حياتهم بأحد اضطرابات القلق (مثل: اضطراب القلق العامّ، أو اضطراب الهلع)، وأكثر من (50%) بالاكتئاب أو الاضطراب ثنائيّ القطب، وما يصل إلى (30%) باضطراب التشنّج اللا إراديّ. قد يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهريّ أيضًا من مجموعة من الحالات الأخرى، بما في ذلك الاضطرابات ذات الصلة مثل: اضطراب تشوّه صورة الجسم، وهوس نتف الشعر، واضطراب خدش (تقشير) الجلد.

كيف يمكن استثارة الوسواس القهريّ؟

في بعض الأحيان، يمكن للمشقّة الناجمة عن حدث مغيّر للحياة أن تستثير حدوث سلوك قهريّ، ومنها: وفاة أحد المقرّبين، أو الطلاق، أو الإساءة. يمكن أن تكون الأعراض أفكارًا وسواسيّة فقط، أو أفعالًا قهريّة فقط، أو كليهما. قد يخشى الفرد المصاب الجراثيم، ويحتاج إلى نظام في حياته، كأن يعيد التحقّق مرارًا من كون الأشياء مغلقة ومؤمّنة.

أسباب اضطراب الوسواس القهريّ

في حين أنّ أسباب اضطراب الوسواس القهريّ ليست مفهومة تمامًا، هناك عوامل خطر وراثيّة وبيئيّة. يكون الأشخاص الذين لديهم والد، أو شقيق، أو طفل مصاب بالوسواس القهريّ أكثر عرضة للإصابة به. وتؤكّد الدراسات التي أُجريَت على التوائم دور التأثير الجينيّ في تطوّر الاضطراب. كما يرتبط حدوث إساءة جسديّة أو جنسيّة والأحداث الصادمة الأخرى في مرحلة الطفولة بخطر إصابة أعلى.

ما هو اضطراب «بانداس»؟

لدى بعض الأطفال، تسبق الإصابة بعدوى المكوّرات العقديّة التطوّر المفاجئ للوسواس القهريّ أو تفاقم أعراضه. تُسمّى هذه الحالة بالاضطرابات العصبيّة النفسيّة للمناعة الذاتيّة عند الأطفال المرتبطة بعدوى المكوّرات العقديّة، والمعروفة باسم «بانداس» (بالإنجليزيّة: Pediatric Autoimmune Neuropsychiatric Disorders Associated with Streptococcal Infections، واختصارها: PANDAS).

علاج اضطراب الوسواس القهريّ

يُعالَج اضطراب الوسواس القهريّ عادةً عن طريق العلاج النفسيّ، أو الأدوية، أو بكليهما معًا.

العلاج النفسيّ

تشمل أشكال العلاج المدعومة بالبحوث لعلاج الوسواس القهريّ: العلاج المعرفيّ السلوكيّ (بالإنجليزيّة Cognitive Behavioral Therapy، واختصاره: CBT) والتعرّض ومنع الاستجابة (بالإنجليزيّة: Exposure and Response Prevention، واختصاره: ERP). يُستخدَم العلاج المعرفيّ السلوكيّ لعلاج مجموعة من الاضطرابات. أمّا التعرّض ومنع الاستجابة فهو نوع معيّن من العلاج المعرفيّ السلوكيّ، يتعرّض فيه الشخص المصاب بالوسواس القهريّ -بتوجيه مبدئيّ من قبل معالج- لأفكار، أو أشياء، أو مواقف تُنتِج القلق أو تؤدّي إلى الوساوس والأفعال القهريّة. وبذلك، يتعلّم عدم الانخراط في الأفعال القهريّة المعتادة. يهدف هذا النهج إلى التقليل التدريجيّ من القلق الناتج عن مثل هذه الأفكار والمواجهات؛ حتّى يتمكّن الفرد من إدارة أعراض الاضطراب بشكل أفضل.

العلاج الدوائيّ

تُستخدَم الأدوية أيضًا لعلاج الوسواس القهريّ، مثل:

  • مثبّطات إعادة امتصاص السيروتونين (بالإنجليزيّة: Serotonin Reuptake Inhibitors، واختصارها: SRIs).
  • مثبّطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائيّة (بالإنجليزيّة: Selective Serotonin Reuptake Inhibitors، واختصارها: SSRIs).

ومن هذه الأدوية:

  • كلوميبرامين (بالإنجليزيّة: Clomipramine)، وينتمي إلى الفئة الأقدم من مضادّات الاكتئاب.
  • الأدوية المطوّرة حديثًا، مثل: فلوكسيتين (بالإنجليزيّة: Fluoxetine)، وفلوفوكسامين (بالإنجليزيّة: Fluvoxamine)، وسيرترالين (بالإنجليزيّة: Sertraline).

يُعتقَد أنّ مثبّطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائيّة تعمل عن طريق زيادة كمّيّة السيروتونين (بالإنجليزيّة: Serotonin) -وهو ناقل عصبيّ- في الدماغ. وعادةً ما يتمّ وصفها لحالات أخرى، بما في ذلك اضطرابات الاكتئاب والقلق. قد يستغرق الأمر ما يصل إلى (12) أسبوعًا لتحقيق تحسّن في الأعراض عند استخدام هذه الأدوية لعلاج الوسواس القهريّ.

مصدر Psychology Today

المصادر+

فريق الاعداد
ترجمة: أحمد المصري
مراجعة علمية: ڤيرينا ويلسون
تدقيق لغوي: سحر هيام
تحرير: إسلام سامي

التعليقات مغلقة.