اضطراب الشخصيّة المرتابة: أعراض، وأسباب، وعلاج
اضطراب الشخصيّة المرتابة (بالإنجليزيّة: Paranoid Personality Disorder) -ويُطلَق عليه أيضًا اضطراب الشخصيّة الزورانيّة، أو اضطراب الشخصيّة البارانويّة- يتّسم بفقدان الثقة والشعور بالشكّ. لا يثق عادةً الأفراد الذين يظهرون ارتيابًا (بالإنجليزيّة: Paranoia) تكوينيًّا بالآخرين، وكثيرًا ما يسيئون فهمهم؛ ما يؤدّي بهم إلى إعادة تعريف الأقوال والسلوكيّات غير الضارّة على أنّها حاقدة.
يشكّ الشخص المصاب باضطراب الشخصيّة المرتابة في الآخرين؛ فيظنّ أنّهم مصمّمون على التهديد، أو الخيانة، أو الاستغلال، أو الإيذاء. عادةً ما يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب غير واقعيّين، ولا يعترفون بأنّ لديهم مشاعر سلبيّة تجاه الآخرين. كما أنّهم لا يثقون بالناس إلى الحدّ الذي يبتعدون فيه عن مناقشة ما يشعرون به، ويخفون الشكوك لفترات طويلة من الزمن. يقع اضطراب الشخصيّة المرتابة ضمن مجموعة من اضطرابات الشخصيّة يُطلَق عليها المجموعة «أ»؛ وغالبًا ما تُوصَف المجموعة «أ» من اضطرابات الشخصيّة على أنّها ذات طابع غريب.
غالبًا ما يَظهر اضطراب الشخصيّة المرتابة في مرحلة الشباب البالغ. ويتراوح معدّل انتشار هذا الاضطراب بين (1.21%) و( 4.4%) من السكّان.
أعراض اضطراب الشخصيّة المرتابة
تتضمّن علامات اضطراب الشخصيّة المرتابة وأعراضها، كما هو مُفهرَس في النسخة الخامسة من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، واختصاره: DSM-5)، ما يلي:
1. فقدان الثقة والشكّ الدائم في الآخرين إلى الحدّ الذي تُفسَّر فيه دوافعهم على أنّها حاقدة. يبدأ ذلك في مرحلة الرشد المبكّر، ويوجد في العديد من السياقات كما يتجلّى في (4) أو أكثر ممّا يلي:
- يشكّ في أنّ الآخرين يستغلّونه، أو يؤذونه، أو يخدعونه، دون أن يكون هذا الشكّ مستندًا إلى أساس كافٍ.
- ينشغل بالشكوك غير المبرَّرة في ولاء أصدقائه أو زملائه، أو استحقاقهم للثقة.
- يعزف عن الوثوق بالآخرين؛ بسبب الخوف غير المبرَّر من استخدام المعلومات ضدّه بشكل خبيث.
- يفهم الملاحظات أو الأحداث الحسنة على أنّها مهينة أو مهدِّدة.
- يكنّ الضغائن باستمرار، ومنها: عدم التسامح تجاه الإهانات، أو الإصابات، أو الازدراء.
- يتصوّر هجمات على شخصه أو سمعته، في حين أنّ هذه الهجمات لا تبدو ظاهرة للآخرين؛ ويسرع في الاستجابة بغضب أو التوجّه بهجوم مضادّ.
- لديه شكوك متكرّرة ودون مبرّر بشأن إخلاص الزوج أو الشريك الجنسيّ.
2. لا يحدث اضطراب الشخصيّة المرتابة حصرًا أثناء مسار الفصام (بالإنجليزيّة: Schizophrenia)، أو اضطراب ثنائيّ القطب (بالإنجليزيّة: Bipolar Disorder)، أو الاضطراب الاكتئابيّ المصحوب بسِمات ذهانيّة (بالإنجليزيّة: Depressive Disorder with Psychotic Features)، أو اضطراب ذهانيّ آخر؛ ولا يمكن نَسبُه إلى التأثيرات الوظيفيّة لحالة طبّيّة أخرى.
تجدر الإشارة إلى إضافة مصطلح «قبل المرض» إذا تمّ استيفاء المعايير قبل بداية الفصام، مثل: اضطراب الشخصيّة المرتابة (قبل المرض).
هل الفصام واضطراب الشخصيّة الحديّة مماثلان لاضطراب الشخصيّة المرتابة؟
لدى كلّ من الفصام واضطراب الشخصيّة الحديّة (بالإنجليزيّة: Borderline Personality Disorder) عناصر الارتياب والشكّ في الآخرين؛ ولهذا السبب يصعب أحيانًا تشخيص هذه الاضطرابات بدقّة.
أسباب اضطراب الشخصيّة المرتابة
وفقًا للنسخة الخامسة من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة، من المحتمل أن تكون بداية ظهور اضطراب الشخصيّة المرتابة في مرحلة الطفولة أو مرحلة المراهقة. يفضّل الأشخاص المصابون باضطراب الشخصيّة المرتابة الانفراد، ولديهم علاقات رديئة بالأقران، وقلق اجتماعيّ، وتحصيل أكاديميّ متدنٍّ، وحساسيّة مفرطة، وأفكار ولغة غريبة، وتخيّلات غير اعتياديّة. قد يَظهر هؤلاء الشباب بأنّهم «غريبون»، كما يشكّلون أهدافًا جيّدة للمضايقة. تشير العيّنات السريريّة إلى تشخيص هذا الاضطراب بشكل أكثر شيوعًا لدى الذكور مقارنةً بالإناث.
هناك بعض الأدلّة على زيادة انتشار اضطراب الشخصيّة المرتابة بين الأشخاص الذين يعاني أقاربهم من الفصام. من المحتمل تصنيف بعض السلوكيّات المتأثّرة بظروف حياتيّة معيّنة على أنّها مرتابة بشكل خاطئ، أو حتّى تعزيزها من خلال عمليّة التقييم السريريّ. بالإضافة إلى ما سبق، قد تكون صدمة الطفولة المبكّرة من العوامل المساهمة أيضًا.
هل تؤثّر الأمراض النفسيّة الأخرى في اضطراب الشخصيّة المرتابة؟
يمكن أن تؤدّي الاضطرابات والأمراض النفسيّة الأخرى إلى مضاعفة أعراض اضطراب الشخصيّة المرتابة. على سبيل المثال، يمكن لاضطرابات المزاج (بالإنجليزيّة: Mood Disorders) أن تفاقم مشاعر الارتياب؛ ومن اضطرابات المزاج: القلق (بالإنجليزيّة: Anxiety) والاكتئاب (بالإنجليزيّة: Depression).
هل تؤثّر البيئة على خطر الإصابة بالارتياب؟
تؤثّر بيئة الفرد على خطر الإصابة باضطراب الشخصيّة المرتابة. إذ يكون هناك خطر أكبر للإصابة بهذا الاضطراب إذا عانى الفرد من صدمة، أو إساءة المعاملة، أو فوضى في الأسرة خلال وقت مبكّر من حياته. يمكن أيضًا للعزلة والمواقف المجهدة تعزيز تطوّر الارتياب.
علاج اضطراب الشخصيّة المرتابة
توجد علاجات فعّالة لاضطراب الشخصيّة المرتابة. لكن قد يضمر المريض الشكّ تجاه مهنيّ الصحّة النفسيّة؛ ممّا يلحق الضرر بإرادة الاضطراب. يمكن أن يعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصيّة المرتابة من ارتياب مزمن، في حال تركه من دون علاج. ثبت أنّ العلاج النفسيّ وبعض الأدوية مقاربات فعّالة.
في حال ترك الشخص دون علاج، من المحتمل أن يعاني من صعوبات في العمل والمنزل. يمكن أن يتضمّن العلاج الشامل المقاربات الرسميّة وغير الرسميّة. قد تشمل طرق التعافي غير الرسميّة: المساعدة الذاتيّة عن طريق دعم الأسرة، وخدمات الإسكان، والمساعدة المهنيّة.
لا يُوصَى في الغالب باستخدام الأدوية لعلاج اضطراب الشخصيّة المرتابة. يمكن أن يكون للأدوية أثر ضارّ مع زيادة الارتياب والشكّ؛ ما يجعل الفرد يتخلّى عن العلاج بالكامل. يُوصَى بالعلاج الدوائيّ إذا كان الفرد يعاني من أعراض محدّدة، مثل: القلق الشديد، أو الأوهام التي تتسبّب في اختلال وظيفيّ، أو إيذاء النفس، أو إلحاق الضرر بالآخرين. يمكن وصف مضادات القلق طبّيًّا، مثل: ديازيبام (بالإنجليزيّة: Diazepam) إذا تمّت إعاقة الوظيفة اليوميّة. من الممكن أيضًا استخدام الأدوية المضادّة للذهان، مثل: ثيوريدازين (بالإنجليزيّة: Thioridazine)، وهالوبيريدول (بالإنجليزيّة: Haloperidol). يجب وصف هذه الأدوية لأقصر فترة زمنيّة ممكنة.
يشكّل العلاج النفسيّ العلاج الأنسب لاضطراب الشخصيّة المرتابة. غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصيّة هذا من صعوبات متأصّلة، وتعيق العلاقات الشخصيّة. توفّر الرابطة الصحّيّة بين المعالج والعميل منفعة كبيرة للعملاء الذين يعانون من الاضطراب. لا يلتمس عادةً مريض اضطراب الشخصيّة المرتابة المساعدة، وعادةً ما يتوقّف عن العلاج. يمكن أن يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب مدى الحياة، ويحتاجون إلى علاج منتظم.
التعليقات مغلقة.