الغضب: طبيعته، وطرق التعبير عنه، وكيفيّة التحكم فيه، وعلاجه

الغضب (بالإنجليزيّة: Anger) شعور يعرف جميعنا ماهيّته، ونشعر به بكافّة مستوياته، بدءًا من شعور الانزعاج العابر، وصولًا إلى إحساس الغضب الذي يسيطر على العقل تمامًا.

يُعَدّ الغضب من المشاعر البشريّة الطبيعيّة، ويمكن اعتباره صحّيًّا في بعض الأحيان. لكن عندما يخرج الغضب عن السيطرة، يتحوّل إلى شعور هدّام يمكنه افتعال مشاكل نحن في غنى عنها، سواء في العمل، أو في علاقاتنا الخاصّة. إذا كنت ممّن يتملّكهم الغضب باستمرار ويفقدون السيطرة عليه، يمكن لذلك التأثير على الجودة الكلّيّة لحياتك. تهدف هذه المقالة إلى مساعدتك في فهم غضبك، وكيفيّة السيطرة عليه؛ كي لا تشعر أنّك تحت رحمة قوّة عاطفيّة لا يمكنك توقّعها.

ما هو الغضب؟

طبيعة الغضب

الغضب هو حالة شعوريّة تختلف شدتها من التهيّج الخفيف إلى الغضب العارم. ومثل أيّ شعور آخر، تصاحب الغضبَ تغيّراتٌ فسيولوجيّة وبيولوجيّة أخرى؛ فعلى سبيل المثال: عندما تغضب، تتسارع نبضات قلبك، ويرتفع ضغط دمك، وكذلك مستوى بعض الهرمونات المعنيّة بإعطائك النشاط اللازم لتغذية هذا الشعور، كالأدرينالين (بالإنجليزيّة: Adrenaline) والنورأدرينالين (بالإنجليزيّة: Noradrenaline).

يمكن لأحداث خارجيّة أو أفكار داخليّة تحفيز الشعور بالغضب؛ إذ يمكنك الاستشاطة غضبًا من شخص معيّن (مثل: زميلك في العمل)، أو من حدث ما (مثل: الزحمة المروريّة). يمكنك أيضًا الشعور بالغضب بسبب التفكير المبالغ فيه والقلق تجاه مستقبلك ومشاكلك الشخصيّة. كما يمكن للذكريات المرتبطة بحوادث سابقة تحفيز شعورك بالغضب.

التعامل مع الغضب

عادةً ما يستخدم الناس طرقًا واعية وغير واعية للتعامل مع شعورهم بالغضب. والطرق الثلاثة الرئيسيّة للتعامل مع الغضب هي:

  1. التعبير عن مشاعر الغضب.
  2. كبت مشاعر الغضب.
  3. تهدئة مشاعر الغضب.

التعبير عن الغضب

تتمثّل الطريقة الغريزيّة والطبيعيّة للتعبير عن الغضب بالردّ بعدوانيّة. يعود ذلك إلى أنّ الغضب بالأساس هو عبارة عن ردّ فعل طبيعيّ للتكيّف مع التهديدات الخارجيّة؛ ممّا يحفّز سلوكًا قويًّا -وغالبًا ما يكون عنيفًا أيضًا- للدفاع عن أنفسنا في حال تعرّضنا لهجوم ما. لذلك يُعَدّ الغضب بمقدار معيّن ضروريًّا للبقاء.

على الصعيد الآخر، لا يمكننا ضرب كلّ شخص أو تحطيم كلّ شيء يثير غضبنا؛ فتضع القوانين، والأعراف الاجتماعيّة، والتفكير السليم حدًّا للإطار الذي يمكننا التعبير عن غضبنا بداخله.

يشكّل التعبير عن الغضب بطريقة حازمة وغير عدوانيّة أصحّ طريقة للتعامل مع الشعور بالغضب. بهدف تحقيق ذلك، عليك تعلُّم كيفيّة جعل رغباتك ومطالبك واضحة، وكيفيّة الحصول عليها من دون إيذاء الغير. الحزم لا يعني التغطرس، ولا كثرة المطالبة؛ بل احترام ذاتك والآخرين، وذلك في حال التعامل مع شخصيّات سويّة يمكن مبادلتها شعور الاحترام.

كبت مشاعر الغضب

يمكن كبت شعور الغضب وقمعه، ومن ثمّ تحويله، وإعادة توجيهه؛ ويكون ذلك عن طريق كبت مشاعر الغضب بداخلك، والتوقّف عن التفكير بالحدث الذي أثار بداخلك هذه المشاعر، والتركيز على شيء إيجابيّ آخر. يهدف ذلك إلى كبت الغضب، وقمعه، وتحويله إلى سلوك آخر بنّاء. تكمن خطورة هذا النوع من التعامل مع الغضب في إمكانيّة ارتداده عليك؛ إذ يمكنه أن يؤدّي إلى زيادة الشعور بالتوتّر، وارتفاع ضغط الدم، والاكتئاب.

إضافة إلى ما سبق، يمكن لشعور الغضب الذي لم يُعبَّر عنه بشكل صحيح التسبّب بمشكلات أخرى غير مُتحكَّم بها، تنعكس على السلوك بشكل واضح للبعيد قبل القريب، مثل:

  • سلوك العدوان السلبيّ: أي التعبير عن الغضب بشكل غير مباشر؛ فتبتعد عن إظهار مشاعر الغضب، أو بيان السبب وراءها، بدلًا من مواجهة مَن حولك مباشرةً.
  • سلوك السخرية والعدائيّة الدائمَين: يقوم بعض الأشخاص على الدوام بإحباط الآخرين، والحَطّ من إنجازاتهم، وانتقادهم، والسخرية منهم، والتعليق عليهم بشكل سلبيّ. من المحتمل أن تكون هذه السلوكيّات ناتجة عن الغيرة، أو أسباب أخرى متعلّقة بهم. يبدو أنّ هؤلاء لم يتعلّموا كيفيّة التعبير عن غضبهم بشكل سليم وبنّاء، وليس من الغريب ألّا يتمتّعوا بالكثير من العلاقات الناجحة.

تهدئة مشاعر الغضب

ليس المقصود بتهدئة مشاعر الغضب التحكّم في سلوكك الخارجيّ فقط؛ إنّما تشمل أيضًا التحكّم في انفعالاتك الداخليّة، وأخذ خطوات لتهدئة ضربات قلبك، وضبط انفعالك، وترك مشاعرك لتهدأ.

إذا لم تفلح أيّ من الطرق الثلاثة السابقة، فيمكن لشخص ما -أو شيء ما- أن يتأذّى.

التحكّم في الغضب

إنّ الهدف من التحكّم في الغضب هو تقليل العواطف والإثارة الجسديّة الناتجة عن الغضب. قد لا يمكنك التخلّص من الأشياء أو الأشخاص الذين يُشعلون إحساسك بالغضب، أو تفاديهم، أو تغييرهم؛ لكن يمكنك تعلُّم كيفيّة السيطرة على ردود أفعالك.

هل أنت غاضب جدًّا؟

هناك اختبارات نفسيّة تقيس شدّة مشاعر الغضب لديك، ومقدار مَيْلك إليها، ومقدار تعاملك معها. لكن إذا كنت تعاني من مشاكل مرتبطة بالغضب، من المرجّح أنّك تعرف ذلك بالفعل. إذا وجدت نفسك تتصرّف بشكل مخيف وخارج عن السيطرة، من المحتمل أن تكون بحاجة إلى المساعدة لتوجيهك إلى طرق أفضل للتعامل مع غضبك.

لماذا قد يغضب البعض أكثر من غيرهم؟

يمتلك بعض الأشخاص شخصيّات أكثر حدّة من غيرهم؛ فسريعًا ما تتملّكهم مشاعر الغضب، وتسيطر عليهم، كما تختلف درجة تأثّرهم بالأحداث عن الآخرين. وهناك بعض الأشخاص الذين لا يميلون إلى إظهار غضبهم بشكل مرتفع؛ على الرغم من كونهم متحسّسين وغاضبين للغاية. في الواقع، لا يعبّر الأشخاص سريعو الغضب دائمًا عن غضبهم من خلال الشتائم، أو تحطيم الأشياء، أو رَميها. عوضًا عن ذلك، قد ينسحبون اجتماعيًّا، أو يعتزلون الحوار، أو تعبس وجوههم في استياء واضح، أو يمرضون جسديًّا.

لدى الأشخاص سريعي الغضب ما يطلِق عليه علماء النفس «سماحيّة قليلة تجاه الإحباط وخيبات الأمل» (بالإنجليزيّة: Low Tolerance for Frustration). يشعر الأشخاص سريعو الغضب أنّه لا يجب عليهم التعرّض للإحباط، والإزعاج، والمواقف غير الملائمة. كما لا يستطيعون وضع الأمور في نصابها الصحيح -وهم غاضبون بشكل خاصّ- إذا كان الوضع يبدو غير عادل إلى حدّ ما، كأن يتمّ تصحيح خطأ ارتكبوه، وهو ليس سوى خطأ بسيط بنظرهم.

ومن العوامل التي تسهم في جعل الأشخاص سريعي الغضب:

  • العوامل الجينيّة أو الفسيولوجيّة. هناك أدلّة تشير إلى أنّ بعض الأطفال يولدون أكثر حساسيّة من غيرهم، ولديهم قابليّة أعلى للشعور بالغضب. تظهر علامات ذلك في عمر صغير جدًّا.
  • العوامل البيئيّة. غالبًا ما يُشار إلى الغضب على أنّه شعور سلبيّ. نحن نُربَّى على أنّ لا مشكلة في التعبير عن مشاعر القلق، والحزن، والتوتّر، والفرحة، وغيرها؛ ولكن حينما يتعلّق الأمر بمشاعر الغضب، يختلف الوضع، وتُقمَع لدينا باستمرار. نتيجة لذلك، لا نتعلّم كيفيَّة تحمّله، ولا الآليّات الصحيحة للتعامل معه، ولا كيفيّة التعبير عنه بشكل بنّاء.
  • الخلفيّة العائليّة. عادةً ما يكون الأشخاص سريعو الغضب من عائلاتٍ ممزّقة، أو فوضويّة ومضطربة، أو لا يمتلك أفرادها مهارات التواصل العاطفيّ.

هل من الجيّد ترك العنان لغضبك؟

يستخدم الأشخاص هذه الفكرة لإيذاء الآخرين. بينما يرى علماء النفس أنّ ترك زمام الأمور لغضبك تمامًا في يرفع في الحقيقة من معدّلات الغضب والعنف لديك، وهو ما لا يساعدك -ولا يساعد الشخص الآخر حتمًا- على حلّ السبب الكامن وراء هذا الغضب.

من الأفضل أن تعيَ جيّدًا ما هي مسبّبات غضبك، وتنمّي استراتيجيّات للتعامل معها قبل أن تُسقطك من على حافة اتّزانك.

طرق التعامل مع الغضب

ملاحظة نفسك

يصعب أخذ قرارات حكيمة أو ذكيَّة حين يتملكك شعور قويّ كالغضب، فبدلًا من محاولات إصلاح ما سيفسده غضبك لاحقًا، من البداية لاحظ نفسك، وأعرف علامات دخولك في حالة من الغضب، ابتعد فورًا عن الموقف (إن كان هذا الخيار متوفرًا) أو جرّب أساليب الاسترخاء لمنع التهيُّج من التصاعد والحفاظ على رباطة جأشك.

تخطّي ما حدث

يميل بعض الناس إلى إطالة التفكير وإعادة تخيُّل الموقف الذي تسبّب في غضبهم. هذه الطريقة تزيد الطين بلّة، خصوصًا إذا كانت المشكلة التي أثارت غضبك في المقام الأول قد حلَّت. بدًلا من ذلك، تخطَّى الأمر، وإحدى الطرق للقيام بذلك هي التركيز على الأشياء التي تقدّرها في الطرف الآخر، وفي مواقفه الجيدة معك، بدلًا من وضع كل تركيزك على الموقف الذي تسبب في غضبك.

الاسترخاء

يمكن لأساليب الاسترخاء البسيطة (كالتنفّس العميق، والصور التي تحفّز العقل على الاسترخاء) المساعدة في تهدئة مشاعر الغضب. هناك دورات تدريبيَّة وكتب يمكنها مساعدتك على إتقان بعض الأساليب الأخرى، والتي بمجرّد تعلمها يمكنك استخدامهم في أي موقف. إذا كنت في علاقة عاطفيَّة كلا طرفيها سريع الغضب والتحسس، فننصح بشدًة تعلّمكم لهذه الطرق.

إليك بعض الخطوات التي يمكنك تجربتها:

  • تنفَّس بعمق، اجعل حجابك الحاجز يتحرّك مع حركة تنفّسك، فالحركة من صدرك فقط لن تكفي لتهدئتك. تخيَّل أنَّ النفس آتٍ من بطنك.
  • ببطء ردد كلمة أو عبارة من شأنها إشعارك بالسكينة، ويختلف اختيار ذلك حسب خلفيتك الاجتماعيَّة، فبعض الناس تجدهم يرددون عبارات دينيَّة على سبيل المثال، ويمكنك استخدام أيضًا عبارات مثل: “أهدى”، “استرخي”، “سيمرّ الأمر”، اختار عبارتك ورددها لنفسك أثناء تنفسك العميق.
  • استخدم عقلك لتخيُّل تجربة تشعرك بالسكينة والاسترخاء، إمَّا من ذاكرتك، أو اعتمادًا على مخيلتك.
  • قم بعمل التمارين غير الشاقة (بالإنجليزيَّة: Non-strenuous)، واليوجا، والتمارين المشابهة لحركات اليوجا، فبإمكانهم إرخاء عضلاتك، وإشعارك بمزيد من الهدوء والسكينة.
  • قم بإرخاء عضلاتك بشكلٍ تدريجيّ: يمكنك ببطء شد ثم إرخاء كل عضلاتك الواحدة تلو الأخرى. على سبيل المثال، قد تبدأ بأصابع قدميك ثم تنتقل تدريجيًّا على كافة عضلات جسدك وصولًا إلى رقبتك ورأسك.

تدرَّب على هذه الآليات بشكلٍ مستمر. تعلّم كيف تستخدمهم بشكلٍ تلقائيّ حينما تجد نفسك داخل موف حرج.

إعادة البناء المعرفي

يُعبّر مصطلح إعادة البناء المعرفي (بالإنجليزيَّة: Cognitive Restructuring) عن تغيير الطريقة التي تُفكّر بها. الأشخاص الغاضبون عادةً ما يميلون إلى اللعن والسب، أو التحدُّث بلهجةٍ عاليةٍ، وكلماتٍ ذات طابع متطرّف وغير حيادي تعكس أفكارهم الداخليَّة في هذا الوقت.

في نوبة الغضب خذ حذرك من استخدام كلماتٍ مثل “دائمًا”، أو “أبدًا” عندما تتحدَّث عن نفسك، أو عن شخصٍ -أو شيء- آخر، فهذه الجمل: “هذه الآلة اللعينة لم تعمل أبدًا”، “الزفت ده عمره ما أشتغل كويّس”، “أنت دايمًا بتنسى” ليست فقط غير دقيقة، ولكنها تعطيك داخليًا تبرير لغضبك، وتضيف صعوبة إضافيَّة لحل المشكلة القائمة كونها “دائمًا” موجودة وهو غير صحيح. كما أنَّها تنفر وتهين الأشخاص الذين قد يكونوا مستعدين للعمل معك على حل الوضع القائم.

ذكّر نفسك بأنَّ الغضب لن يصلح شيئًا من الأشياء التي قد أغضبتك، ولن يجعلك تشعر بأي تحسن، على العكس، يمكن أن يزيد مشاعرك سوءًا.

المنطق يهزم الغضب؛ لأن حتى مع وجود أسبابٍ لغضبك، إلَّا أنَّه سرعان ما تتصاعد حدّته ويكون غير عقلاني. لذا حاول محاجاة نفسك بالمنطق، وإن كان الوضع صعبًا.

ذكَر نفسك بأنَّ العالم ليس ضدَّك، أنت فقط تمر بأحد المواقف العصيبة في حياتك اليوميَّة. فعل ذلك في كل مرَّة تلاحظ فيها سيطرة غضبك على سلوكك وأفكارك، سيصل بك إلى نظرة أكثر توازنًا للأمور.

يميل الغاضبون إلى المطالبة بعدة أشياء: كالعدل، والتقدير، والاتفاق معهم، وفعل الأشياء على طريقتهم.

جميعنا يرغب بهذه الأشياء، ونشعر بالحزن وخيبة الأمل حينما لا نحصل عليهم، ولكن الفرق أن الأشخاص الغاضبين يطالبون بها، وحينما لا تُلبَّى مطالبهم، تتحول خيبة أملهم إلى غضبٍ.

كجزء من عمليَّة البناء المعرفي، على الغاضبين أن يكونون أكثر دراية بطبيعتهم التي تميل إلى المطالبة، في سبيل ذلك عليهم إيعاء أن رغباتهم هي مجرَّد طلبات من الأطراف الأخرى. وإيعاء ذلك يبدأ من اختيار الألفاظ التي تولد من رحم عقلهم الباطن باستمرارٍ وتعبّر عن كيفيّة التفكير والبناء المعرفيّ للشخص، فقول: “أودُّ أن… كذا كذا” أفضل من قول: “يجب أن أأخذ… كذا كذا”.

حين لا تحصل على ما ترغب، تمرّ بالمشاعر العاديَّة متمثلةً في: الإحباط، وخيبة الأمل، والتألّم، والتي ليس من ضمنها الغضب. بعض الناس يضيفون الغضب إلى هذه الدائرة للتخلُّص من شعور الألم، ولكن هذا لا يجعل الألم يتلاشى.

التأقلم مع المشاكل

تتسبب أحيانًا مشاكل حقيقيَّة نمرّ بها في حياتنا ولا يوجد منها مفرّ في شعورنا بالإحباط والغضب. فليس كل الغضب في غير محلّة، ولكنّه في وسط هذه الصعوبات تكون مشاعر الغضب صحيَّة، ورد فعل طبيعيّ على ما يحدث.

هناك اعتقاد اجتماعيّ أنَّ هناك حل لكل مشكلة، وهو ما يزيد إحساسنا بالإحباط حين نعلَّم أنَّ هذا ليس دائمًا واقع الأمر. في مثل هذه المواقف لا تصبّ تركيزك على الاهتمام بإيجاد الحلول، ولكن ركّز على كيفيَّة مواجهتها وتحملها.

ضع خطة، وتحقق من تقدّمك على طول الطريق. قرّر تقديم أفضل ما لديك، ولكن أيضًا لا تعاقب نفسك إذا لم تتحسّن الأمر على الفور. إذا جنّدتُّ جهودك ونواياك لمساعدتك على الاقتراب أكثر فأكثر من تحسين الأمور بالنسبة لنفسك، فستقلّ احتمالية فقدانك للصبر، والوقوع مجددًا في نمط التفكير الخاطئ “كل شيء أو لا شيء”؛ حتى لو لم تحل المشكلة بشكلٍ كامل بعد.

تحسين التواصل

يميل الأشخاص الغاضبون للقفز إلى الاستنتاجات، والتصرف على أساسها، بعض هذه الاستنتاجات تكون عارية تمامًا من الصحَّة. أوَّل ما تفعله حين يشتدّ النقاش هو أن تهدئ من تفكيرك، وتفكّر في تصرفاتك وردودك. لا تقل أوّل شيء يأتي في رأسك، لكن أبطئ، وفكر مليًا فيما تريد قوله. في نفس الوقت، استمع جيدًا فيما يقوله الطرف الآخر، وخذ وقتك قبل الردّ عليه.

عليك أيضًا الاستماع إلى ما يغذّي الشعور الداخليّ بالغضب، سواء عندك، أو عند الطرف الآخر. فعلى سبيل المثال: إذا أردت مقدارًا أكبر من الحريَّة، والمساحة الشخصيَّة، والطرف الآخر في العلاقة يميل إلى الاقتراب الذي تعتبره زائدًا. عندما يبدأ بانتقاد أنشطتك، لا تبادره بالهجوم وتنعته بالسجَّان، أو إنَّه كالطوق الخانق. من الطبيعيّ أن تأخذ مواقف دفاعيّ عندما تُنتقَد، ولكن لا تبادر بالهجوم، عوضًا عن ذلك، استمع إلى الرسائل المخفيَّة داخل هذه الانتقادات، فقد يكون ما دفعه إلى قول ذلك هو شعوره بالإهمال، أو قلّة الحب.
قد يتطلَّب الأمر منك بعض الصبر أثناء الاستجواب للخروج بالرسائل الحقيقيَّة، التي غالبًا ما تخرج مبطَّنة بشكلٍ عدائيّ في حالات الغضب، يمكن أن يتخلل ذلك الاستجواب تنفيس مشترك عن الغضب الموجود أيضًا، وهذا طبيعيّ، لكن لا تدع أبدًا غضبك، أو غضب شريكك أن يتملَّك النقاش، ويُخرجه عن السيطرة. فالحفاظ على ثباتك، وهدوءك سيصل بك إلى حلٍ أفضل، ويمنع تحوُّل الوضع إلى كارثة.

استخدام حس الدعابة

يمكن للدعابات السخيفة تفتيت شعور الغضب بطرقٍ عدّة. على سبيل المثال: يمكنها مساعدتك على الحصول على منظورٍ أكثر توازنًا للوضع. فعندما تكون مستشيط غضبًا من أحدهم، وتنعته باسمٍ معيَّن، أو تشير إليه بعبارةٍ تخيليَّة (كوصفه بأنه أحد الحيوانات)، توقف قليلًا وتخيله على هذا الحالة بشكلٍ حرفيّ. فإذا كنت في بيئة العمل، تخيَّل زميلك الذي دائمًا ما تغضبك سيرته على إنّه “بقرة”. وتخيَّل بقرة جالسة على مكتبه، تتحدث في التليفون، تحضر الاجتماعات، سيضحكك ذلك ويذهب بعقلك بعيدًا عن شعور الضجر الذي يتملكك حين تراه أو تسمع اسمه، مما يوفر لك مساحة أكبر للتفكير السليم المتوازن. افعل ذلك مع كل أسماء الأشخاص الذين تؤرقك سيرتهم. إذا استطعت، يمكنك أيضًا رسم ما قد يبدو عليه هذا الشخص في شكله الجديد، سيطفئ ذلك من غضبك. يمكن دائمًا الاعتماد على الدعابة لحل مثل هذه المواقف المتوتّرة.

الرسالة الكامنة التي يحاول الأشخاص الغاضبون بشدّة توصيلها يكون مفادها (في معظم الأحيان): “يجب حدوث الأشياء على طريقتي”، سواء في المعاملة، أو في الحب، أو في العمل، أو في الحياة ذاتها وأقدارها. يميل الناس الغاضبون إلى الشعور بأنهم على حق، وأن أي اعتراض أو تغيير لخططهم هو إهانة لا تطاق بالنسبة لهم، ولا يجب عليهم أن يعانوا بهذه الطريقة. ربما يستحق الآخرون ذلك، لكن ليس هم (هذا نمط تفكير معروف عند معظم الأشخاص الغضوبين ولكن ليس كلهم).

عندما تشعر بإلحاحٍ داخلي يدفعك إلى رفض أي شيء لا يسير حسب خطتك، وتبدأ تشعر بالغضب يمكنك تصوُّر نفسك، أو حاكم أعلى يمتلك كل شيء، وبيده مجريات الأمور، ينظر إلى الموضوع من الخارج. كلما أضفت تفاصيل إلى هذه المشاهد التخيليّة، ازدادت فرصك في إدراك كيف أنَّ تصرفاتك في حالة الغضب العارمة تكون غير معقولة ولا مبرّرة، وستدرك أيضًا مدى عدم أهمية الأشياء التي تثير غضبك.

الآن إليك هناك تحذيران من استخدام الدعابة في حالات الغضب:

أولاً- لا تستخدم الفكاهة فقط “لتضحك” على مشاكلك؛ استخدمها لمساعدتك على فهمها، ومواجهتها بشكلٍ بناء.

ثانياً- لا تسخر من مشاكلك باستخدام الداعبات القاسية الساخرة، فهذا يعدّ من الأشكال غير الصحيَّة للتعبير عن الغضب.

ما يجمع بين آليات الدعابة المفيدة تلك هو رفض أخذ نفسك بجديَّة، فالغضب شعور جدّي، ولكنه غالبًا ما يكون مصحوبًا بأفكارٍ يمكنها أن تجعلك تضحك، إذا تفحصتها.

تغيير البيئة

في بعض الأحيان يكون محيطنا المباشر هو السبب الرئيسي في شعور الغضب والحنق الذي يصيبنا. فتراكم المسؤوليات والمشاكل في البيئة المحيطة يعطي شعورًا بالوقوع والتعلّق داخل “فخ”، وحين تثقل المشاكل كاهلك تصيبك حالة من الغضب الدائم، وتكره الأشخاص والأشياء المُكوّنة لهذا الفخ.

أعطِ نفسك فترة راحة، وتأكد من توافر بعض الوقت الشخصيّ لنفسك، خصوصًا في الأيام التي تعلم أنَّها مُرهِقة بشكلٍ خاص، حتى وإن كانت فترة قصيرة، سيكون تأثيرها عليك كبير، وستساعدك على إكمال مهام اليوم بشكلٍ أفضل.

نصائح أخرى للتهوين عن نفسك

  • اختيار التوقيت: إذا كنت دائم الخلاف أنت وشريكك عند مناقشة الأمور في المساء -ربما بسبب تراكم الضغوط طوال اليوم، والتشتيت، والإرهاق، أو حتى إذا كان مجرَّد طبع- حاول تغيير التوقيت الذي تناقشون فيه الأشياء المهمَّة حتى لا تحتدّ المناقشة وتتحول إلى خلاف.
  • تجنَّب ما يُشعرك بالغضب: على سبيل المثال، إذا كانت غرفة طفلك الفوضوية تشُعرك بالغضب في كل مرة تمشي بجوارها، أغلق الباب. لا تنظر إلى ما يثير حنقك. لا تقل: “يجب على طفلي تنظيف الغرفة حتى لا أغضب!” هذا ليس الهدف. الهدف هو الحفاظ على نفسك هادئًا. يمكنك تطبيق هذا المثال بالقياس على شتّى المواقف الأخرى.
  • جِد حلولًا بديلة: على سبيل المثال، إذا كان طريقك اليوميّ دائمًا مزدحم ويتركك في حالة من الغضب والإحباط، فجرّب وسائل أخرى، أو طرقًا أقل ازدحامًا، أو استغل الطريق في عمل أشياء من شأنها أن تشعرك بتحسّن.
    قد لا يكون هذا الخيار متاح بشكلٍ دائم في كل المواقف، ولكنه ما زال أحد الموجودة والتي قد تفيدك، فاجعله دائمًا على القائمة.
  • حافظ على نشاطك: ممارسة التمارين الرياضيَّة بشكلٍ منتظم يساعد على التخلص من التوتر الزائد، ويُقلّل من شعور الضغط، الذي يمكن أن يؤدي إلى إثارة نوبات الغضب.

هل تحتاج إلى استشارة متخصّصة؟

إذا كنت تشعر أنَّ غضبك خارج تمامًا عن السيطرة، ويُأثّر على علاقاتك والأجزاء المهمّة في حياتك، يجب عليك الأخذ بعين الاعتبار طلب مساعدة نفسيَّة متخصّصة. سيساعد المعالج النفسي (المُرخَّص بواسطة وزارة الصحَّة الموجودة بدولتك) في توجيهك إلى الطرق والآليات الصحيحة التي يجب أن تتعامل بها مع غضبك، بداية من تعليمك مهارات الاسترخاء، وتغيير أفكارك، وحتى تغيير سلوكك، وتنمية مهارات التواصل لديك.

عندما تتحدث إلى المعالج النفسي، أخبره أنَّك تواجه مشاكل تريد حلها مع الغضب، واسأل عن المنهج الذي يتَّبعه في إدارة الغضب والسيطرة عليه.
قم بشرح الحالة جيدًا حتى يشخصّها المعالج النفسيّ بشكلٍ أفضل، ويختار خطّة العلاج المناسبة، وتأكَّد أنت أيضًا من كون خطته العلاجيَّة لا تهدف إلى جعلك تعبّر أكثر عن ذاتك (فقط)؛ حيث أن هذه قد تكون مشكلتك بالأساس.

يقول الأخصائيون النفسيون أن الشخص الذي تعتريه مشاعر الغضب، يمكنه مع العلاج أن يقترب من نطاق الغضب الطبيعي في فترة تتراوح بين 8 إلى 10 أسابيع، وذلك حسب الظروف والتقنيات المستخدمة.

ماذا عن التدريبات التي تهدف إلى جعلك أكثر حزمًا وأقل عدوانيّة؟

أن تكون حازمًا (بالإنجليزيَّة: Assertive) يُعد أحد أساسيَّات مهارات التواصل السليمة، فذلك يعني أنَّك تعبّر عن نفسك بفعاليّة، وتقف متحدثًا عن نفسك ووجهات نظرك بصراحة ووضوح في أي موقف.

يمكن للحزم مساعدتك على تعزيز احترامك لذاتك، واحترام الآخرين لك، وأشياء أخرى أيضًا: كتخفيف عبء العمل عليك، خصوصًا إن كنت من هؤلاء الذين لديهم صعوبات في قول “لا” فينتهي بهم المطاف مُحمَّلين بالأعباء الوظيفيَّة والاجتماعيَّة.

بعض الناس يولدون حازمون بشكل طبيعي، قد يكون ذلك جينيًا، أو راجع لطريقة التربية والخلفيَّة الاجتماعيَّة، ولكن إذا لم تكن واحدًا منهم، فهي مهارة مكتسبة ويمكنك تعلمها.

على الأشخاص الغاضبين تعلُّم كيفيّة استبدال سلوكهم العدوانيّ بالسلوك الحازم؛ فذلك سيساعد كثيرًا.

تذكر أنَّه لا يمكنك القضاء على الغضب؛ وحتّى القضاء عليه لا تعدّ فكرة جيّدة. على الرغم من كلّ مجهوداتك، ستحدث أشياء تغضبك. وأحيانًا سيكون غضبًا في محلّه، وله ما يبرّره.

الحياة مليئة بالإحباط، والألم، والخسارة، وتصرّفات الآخرين غير المتوقّعة والمخيّبة للآمال. لا يمكنك تغيير ذلك؛ ولكن يمكنك تغيير الطريقة التي تؤثّر بها هذه الأحداث عليك.

يمكن للسيطرة على ردود فعلك الغاضبة على المدى الطويل منع كلّ ذلك من التأثير على مستوى فرحك وانبساطك.

المصادر+

فريق الاعداد
إعداد: إسلام سامي
اترك ردًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

6 تعليقات
  1. […] وقد يكون مزاجيًّا جدُّا ويواجه صعوبة في التّعبير عن غضبه، أو التحكم في […]

  2. […] على الآخرين، وتطوير طرق جديدة للاستجابة عند الشعور بالغضب أو […]

  3. […] والمحافظة عليها. بالإضافة إلى ذلك، يكونون أحيانًا غاضبين، […]

  4. […] قد يؤثّر العنف الجنسيّ على أهل الناجي، وأصدقائه، وشركائه، وأولاده، وأزواجه، وزملائه؛ وهم يحاولون أن يفهموا ما حصل، فيشعرون بالخوف مثلًا، والذنب، ولوم الذات، والغضب. […]

  5. […] ما يوجّه الأطفال المصابون باضطراب المُعارض المتحدّي غضبهم، واستيائهم، وسلوكهم الحاقد تجاه آبائهم، أو معلّميهم، […]

اترك ردًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.