اضطراب المُعارض المتحدّي: أعراض، وأسباب، وعلاج

اضطراب المُعارض المتحدّي (بالإنجليزيّة: Oppositional Defiant Disorder، ويُختصَر: ODD) هو اضطراب سلوكيّ تخريبيّ لدى الأطفال والمراهقين، يتّصف بالعند، وصعوبة المراس، وكثرة الجدال، والمواقف العدوانيّة تجاه الأشخاص ذوي السلطة.

يُظهر كل الأطفال سلوك المتحدّي المُعارض في مرحلة ما، خصوصًا عندما يكونوا متعبين أو مضغوطين، فسلوك المُعارض المتحدّي في الواقع سلوكٌ عادي في مراحل الطفولة وبدايّة المراهقة. قد يجد بعض الآباء صعوبة في التعرّف على هذا الاضطراب، معتقدين ببساطةٍ أنّ لديهم طفلًا عنيدًا، أو عاطفيًّا، أو قويّ الإرادة. غير أنّ سلوك الطفل المصاب باضطراب المُعارض المتحدّي يبدو أكثر تطرّفًا وتخريبيًّا من المعتاد، ويتكرّر أكثر بكثيرٍ ممّا يحدث في الطفولة من عناد، أو تذمّر، أو تمرّد، وغالبًا ما يحدث في مراحل مختلفة من نموّ الطفل. ولا يكون السلوك المُعارض لمصاب اضطراب المُعارض المتحدّي مستمرًا فحسب، ولكنه يظهر في مجموعة واسعة من المواقف ويتداخل مع حياة الأطفال الاجتماعيّة والعائليّة والتعليميّة.

تؤثّر هذه الحالة على حوالي (3%) من الأطفال، وتحدث عند الأطفال الذكور أكثر من الإناث قبل المراهقة، وذلك بحسب الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة -النسخة الخامسة. وقد تصاحب هذه الحالة اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة (بالإنجليزيّة: attention deficit hyperactivity disorder)، (ويختصر: ADHD)، اضطراب السلوك، ومع اضطرابات القلق والمزاج.

أعراض اضطراب المُعارض المتحدّي

يُشخَّص اضطراب المُعارض المتحدّي عندما يتصرّف الطفل أو المراهق على الدوام بطرقٍ في غايّة السلبيّة، والعدائيّة، والتحدّي بما يجعل البيت، والمدرسة، والحياة الاجتماعيّة بحالةٍ مضطربة، وذلك لمدّةٍ تستمرّ (6) أشهرٍ على الأقلّ. تظهر الأعراض مبكّرًا جدًّا في أواخر سنوات ما قبل المدرسة. عادةً ما يوجّه الأطفال المصابون باضطراب المُعارض المتحدّي غضبهم، واستيائهم، وسلوكهم الحاقد تجاه آبائهم، أو معلّميهم، أو أشخاص آخرين ذوي سلطة، على الرغم من أنّهم قد يواجهون أيضًا مشاكل مع أقرانهم. غالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال غير متعاونين، وراغبين في الانتقام، وسريعيّ الانزعاج؛ إذ إنّهم يرفضون اتّباع القواعد، أو يمرّون بنوبات غضب، أو يلومون الآخرين على أخطائهم، أو يسعون إلى الانتقام، أو لا يحسنون التصرّف، أو يضايقون الآخرين عن عمد. يمكن أن تُوجَّه أعراض اضطراب المُعارض المتحدّي تجاه شخص واحد أو عدّة أشخاص، ومن الممكن أن تحدث في المنزل، أو في المدرسة، أو في بيئات متعدّدة، أو في علاقات متعددة. ولا يرى الأطفال المصابون بهذا الاضطراب أنفسهم كغاضبين أو معارضين، بل وقد يروا أن تصرفاتهم مبررة تمامًا بسبب متطلبات الآخرين غير المعقولة. وقد يرتبط التهيج الذي يظهره المصاب بهذا الاضطراب باضطراب القلق.

ما مدى انتشار اضطراب المُعارض المتحدّي؟

اضطراب المُعارض المتحدّي هو الاضطراب السلوكيّ الأكثر تكرارًا بين أطفال الروضة. ويتم تقرير انتشار اضطراب المُعارض المتحدّي ليكون بين (1%-11%) في عيّنات المجتمع. وأظهرت بعض الدراسات أنه يحدث بمعدل (10%) في الولايات المتحدة الأمريكيّة، و(7%) في البلدان الأخرى مثل إسبانيا.

كيف يُشخّص اضطراب المُعارض المتحدّي؟

ليس هناك اختبار واحد لتشخيص اضطراب المُعارض المتحدّي، وذلك لأن هذا الاضطراب يحدث مصاحبةً لاضطرابات أخرى؛ مما يصعّب إعطاء تشخيص محدد. ويُشخّص اضطراب المُعارض المتحدّي بعد تقييم نفسيّ شامل يستقصي العديد من جوانب سلوك الطفل لتحديد الأنماط النموذجيّة للاضطراب وكذلك لقياس وجود أو عدم وجود حالات ذات صلة مثل اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة  والقلق.

عادةً ما يستخدم الأطباء مجموعة متنوعة من أدوات الفحص التي تم التحقق من صدقها جيدًا، بالإضافة إلى ملاحظاتهم الخاصة الخبيرة لسلوك الطفل وأنماط التفاعل. تتضمن أدوات الفحص قوائم مراجعة لسلوك الطفل لتحديد المشكلات السلوكيّة والمعرفيّة والعاطفيّة، واستبيانات للوالدين وملاحظات عن سلوك الطفل. تشمل العوامل المهمة معدلات تكرار وشدة السلوكيات الإشكاليّة، والسياقات التي تحدث فيها سلوكيات الإشكاليّة، وطبيعة التفاعلات الأسريّة، والتعايش مع الصعوبات الأخرى.

إن اضطراب المُعارض المتحدّي تشخيص خطير ولا يحدث بسهولة. يعتقد بعض الخبراء أن عمليّة التشخيص بحد ذاتها مؤذية، إذ أن التشخيص يوحي بأن المشكلة تكمن في الطفل، ولا تخبر الوالدين أكثر مما يعرفونه بالفعل – وهو أن التعامل مع طفلهم أمر صعب. ويزيد عليه، فإن التشخيص لا يوجه الانتباه لسبب تصرف الطفل بهذا الشكل التخريبيّ. فكلمة «متحدّي» ليست بوصمة عار فحسب، ولكنها تحمل أيضًا إشارة على أن التصرف يحدث عن إرادة وهو ما يؤثر على توجهات الوالدين نحو الطفل، ومدى استعدادهم للتركيز على المشاكل الكامنة وراء السلوك التخريبي، وتقبلهم للتغيير.

أسباب اضطراب المُعارض المتحدّي

لا يزال السبب الأساسيّ لاضطراب المُعارض المتحدّي غير واضحٍ. إلّا أنّ مزيجًا من العوامل الحيويّة، والاجتماعيّة، والنفسيّة يبدو أنّه يعرّض الأطفال لخطر الإصابة بالاضطراب. يمكن أن تشتمل عوامل الخطر هذه على: الفقر -على الرغم من أنّ اضطراب المُعارض المتحدّي يمكن أن يحدث في العائلات من أيّ حالة اقتصاديّة- أو اختبار مرحلة انتقاليّة صادمة، أو أنّ لدى أحد الآباء اضطرابات متعلّقة بالمزاج، أو الإدمان، أو السلوك، أو وجود علاقة سيّئة مع أحد الوالدين، أو أنّ أحد الوالدين مهمل أو مسيء أو متشدّدٌ من ناحيّة التأديب، أو انعدام الاستقرار الأسريّ. وجدت دراسة واحدة على الأقلّ أنّ أعراض اضطراب المُعارض المتحدّي هي الأسوأ لدى الأطفال الذين يتوقون إلى قبول أقرانهم، بالإضافة إلى وجود المشاكل داخل عائلاتهم. وتربط العديد من الدراسات اضطراب المُعارض المتحدّي بالممارسات الأبويّة القاسيّة، أو المتعارضة، أو المُهمِلَة.

يتعايش العديد من الأطفال الذين عانوا من اضطراب المُعارض المتحدّي مع حالتهم، وبالأخص مع حالاتهم المزاجيّة، واضطرابات القلق، واضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة. فتتطلب مثل هذه الحالات -إن وجدت- علاجًا خاصًا، بالإضافة إلى علاج الاضطراب السلوكي. فمن الضروري تحديد ما إذا كان سلوك الطفل السيء يحدث كرد فعل لموقف مؤقت، أو كما يحدث في اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة فهو قاصر على المواقف التي تتطلب جهد مستمر، وانتباه، أو البقاء في سكون.

ما هو السبب الأساسيّ لاضطراب المُعارض المتحدّي؟

لا تُفهم الاضطرابات التخريبية عند الأطفال بسهولة. فلا يخطط الأطفال ليكونوا صعبي المراس. فسوء السلوك في الطفولة هو استجابة غير محددة للعديد من الاضطرابات الداخليّة والخارجيّة، وصفة التحدي تعتبر مناسبة في إحدى مراحل الارتقاء. ولم يتم التعرف على سبب وحيد لهذا الاضطراب، وعلى الرغم من أن هذا الاضطراب يميل أن يجري في عائلات، إلا أنه لم يُحدد له نمط وراثي. ويبدو أن العوامل البيولوجيّة والاجتماعيّة وتربية الأطفال تلعب دورًا في اضطراب المُعارض المتحدّي.

يُعرّف بعض الباحثون نوعين مختلفين من اضطراب العارض المتحدّي قد يكون لهما جذور مختلفة. أولًا، وهو النوع الذي يميل لإظهار رد فعل، ويتميز بالهياج الشديد المصحوب بحالات داخليّة مثل القلق، ويزداد بسوء تحمّل الغضب ومشاكل إدارة المشاعر.

والآخر، هو الاستباقي، ويتصف بكثرة الجدال، ورغبة الانتقام، ويصاحب الظروف الخارجيّة مثل اضطراب السلوك، ويرتبط بالتركيب البيولوجي العصبي بما في ذلك معدل ضربات القلب المنخفض ورد الفعل المنخفض للضيق، وكلاهما علامات على الاستثارة المنخفضة للجهاز العصبي اللاإرادي.

هل تعلب الممارسات التربوية دورًا في اضطراب المُعارض المتحدّي؟

قد يكون من الأكثر دقة تخيّل أن هذا الاضطراب ينتج عن تفاعل عدة عوامل. وبهذا الصدد، تتصادم السمات الفرديّة مثل التفاعل الوجداني المرتفع، انخفاض إدارة المشاعر، أو صعوبة في التعلم الاجتماعيّ مع المِحَن البيئيّة مثل خلل أسلوب التربية، الأمراض النفسيّة عند الأبوين، الصعوبات الاجتماعيّة الاقتصاديّة، أو المستويات العليا من الصراع الأسريّ.

تعرّف العديد من الدراسات الأنماط السلوكيّة المعقدة أنها تؤدي فيها التفاعلات الإكراهية بين الأطفال الصغار ومقدمي الرعايّة لهم إلى تضخيم عدم امتثال الأطفال لأوامرهم. يُعتقد أن هذه الأنماط التي تسري في الأسرة تنتقل في مواقف أخرى.

كيف يمكنني مساعدة طفل مصاب باضطراب المُعارض المتحدّي؟

ليست هناك نتيجة ثابتة لاضطراب المُعارض المتحدّي، ولكن قد تخف حدة المشكلات السلوكيّة التي تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة عند معالجته مبكرًا. فهو حالة قابلة للعلاج إلى حد كبير. ووفقًا للأكاديميّة الأمريكيّة للطب النفسيّ للأطفال والمراهقين (بالانجليزية:American Academy of Child and Adolescent Psychiatry) ، فإن علامات وأعراض اضطراب المُعارض المتحدّي تختفي في غضون ثلاث سنوات في حوالي (67%) من الأطفال المصابين بهذا الاضطراب.

وفي غياب العلاج، يرتبط السلوك التخريبي لاضطراب المُعارض المتحدّي بمشاكل السلوك اللاحقة في المدرسة وصعوبات التكيف في مرحلة الرشد. ينطوي هذا الاضطراب على خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب في مرحلة الرشد. فقد يستمر جزء صغير من الأطفال الذين يعانون هذا الاضطراب في تطوير اضطراب السلوك (بالانجليزية: Conduct Disorder) الصريح، ولا سيما أولئك الذين يظهرون التحدي وكثرة الجدل ورغبات الانتقام، وهي حالة أكثر خطورة تتميز بالعدوان تجاه الأشخاص والحيوانات، وتدمير الممتلكات، والخداع أو السرقة.

علاج اضطراب المُعارض المتحدّي

يرجع السعي للعلاج عامّةً إلى الأبوين؛ حيث إنّ الطفل لا يفهم غالبًا أنّه يعاني من مشكلة ما. وغالبًا ما تأتي الإحالات إلى التقييم النفسيّ والعلاج من طبيب أجرى فحصًا، واستبعد وجود سببًا عضويًا. بمجرد التشخيص باضطراب المعارض المتحدي، يتم وصف توليفة من العلاجات النفسية بما أنّ العديد من الأطفال الذين يعانون من اضطراب المُعارض المتحدّي يعانون كذلك من اضطرابات مصاحبة مثل الاضطرابات المزاجيّة، أو اضطرابات القلق، أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، أو اضطرابات التعلّم، أو اضطرابات اللغة، من المهمّ تحديد ما إذا كان السلوك السيّء للطفل هو استجابة لحالةٍ مؤقّتة فقط، أو أنّه فعلًا اضطراب المُعارض المتحدّي. يمكن البدء بدورة من العلاج المناسب فور تحديد الحالة أو الموقف. وعادةً ما تشمل العلاج السلوكيّ، والعلاجات الأسريّة، والتدريب الأبويّ، وأحيانًا الدواء. أحد أهداف العلاج النفسي هو إعادة بناء العلاقة بين الطفل وأبويه، كما يحاول تعليم الآباء طرقًا جديدة للتعامل مع سلوك طفلهم.  وكلّما كان العلاج في مرحلة مبكّرة، كان ذلك أفضل للحؤول دون تطوّر اضطراب المُعارض المتحدّي إلى اضطراب سلوكيّ أكثر خطورة، أو اضطراب للصحة العقليّة، أو سلوك إجراميّ.

هل هناك أدويّة لعلاج اضطراب المُعارض المتحدّي؟

ليس هناك أدويّة لمعالجة هذا الاضطراب، ولا ينصح باستخدام الدواء كتوجه في علاج هذا الاضطراب السلوكي. وعلى الرغم من ذلك، قد يضمن الدواء علاج المشاكل المتزامنة مثل قصور الانتباه وفرط الحركة، القلق، والاكتئاب، ويمكن للعلاج الدوائي لهذه الاضطرابات، مثل محفزات قصور الانتباه وفرط الحركة أو مضادات الاكتئاب لعلاج الاضطرابات المزاجيّة، تحسين أعراض اضطراب المُعارض المتحدّي. أما العلاج الأهم لاضطراب المُعارض المتحدّي فهو العلاج النفسيّ الذي يشمل الوالدين وكذلك الأطفال.

ما هي العلاجات الأكثر فاعليّة مع اضطراب المُعارض المتحدّي؟

الخط الأول من العلاجات لهذا الاضطراب هو العلاج النفسيّ الاجتماعيّ، وبالرغم من أنه يستغرق الكثير من الوقت، إلا أنه فعّال للغايّة. فيستهدف العلاج النفسيّ الأطفال وذويهم على حد سواء. إذ ينخرط الأطفال في سن المدرسة في علاج فردي لتعلّم وممارسة مهارات واستراتيجيات إدارة المشاعر والسلوك والتحكم في الاندفاعات. ويشمل علاج آباء الأطفال في سن ما قبل المدرسة وفي سن المدرسة تعلم استراتيجيات الإدارة الوالدية الفعالة.

علاوة على ذلك، يكون العلاج الأسري فعالا للغايّة في إصلاح الضرر الذي تسبب فيه التفاعل السلبي المتكرر، كما يدعم عمل ديناميكيات سلوكيّة جديدة ومجزيّة.

قد يكون هناك حاجة للعلاج الجماعيّ لعلاج القصور في المهارات الاجتماعيّة. وقد يُطلب مساعدة المدرسين كذلك في بعض السياقات العلاجيّة.

لقد طُوّر نوعًا من العلاج السلوكي المعرفي (بالانجليزية: Cognitive and Behavioral Therapy، ويختصر: CBT) خصيصًا لعلاج الأطفال الذين يعانون من السلوك التخريبي، ويسمى الحلول التعاونيّة والاستباقيّة (بالإنجليزيّة: Collaborative and Proactive Solutions، ويختصر: CPS)، ويساعد مدرسي الأطفال والأهل في المشاركة بطرق غير عقابيّة للتعرف على المشاكل المؤدية لهذا السلوك الشاق وحلها.

مصدر Psychology Today

المصادر+

فريق الاعداد
ترجمة: إيمان البحيري
تدقيق لغوي: نغم ترحيني
تحرير: إسلام سامي

التعليقات مغلقة.