الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ: أعراض، وأسباب، وعلاج

تعدّ الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ (بالإنجليزيّة: Substance – Related Disorders) شائعة؛ حيث تصيب (40.3) مليون شخص فوق سنّ (12) عامًا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. قد ينطوي الإدمان على تعاطي العقاقير الموصوفة، مثل مسكّنات الألم الأفيونيّة، أو الموادّ الشائعة مثل الكحول، أو الموادّ غير المشروعة مثل الهيروين (Heroin) والكوكايين (Cocaine). عادةً ما يُضَمّ السلوكيّات المُشكِلة مثل المقامرة إلى هذه الفئة لأنّها تتشارك سمات عصبيّة حيويّة وسلوكيّة رئيسيّة تشمل المسارات العصبيّة المسؤولة عن المكافأة والتعزيز.

يتعاطى الشخص المصاب بالإدمان مادّة ما، أو ينخرط في سلوك ما؛ لكلّ منهما تأثيرات مجزية توفّر حافزًا مقنعًا لتكرار النشاط، على الرغم من العواقب الضارّة بالصحّة البدنيّة، والأنشطة اليوميّة، والالتزامات والعلاقات الاجتماعيّة. يتمّ تشخيص الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ عندما يؤدّي تعاطي أيّ مادّة أو سلوك إلى اختلال أو ضيق ملحوظين. غالبًا ما تكون كلّ من اضطرابات تعاطي الموادّ وسلوكيّات المقامرة مصحوبة بحالات صحّيّة نفسيّة مثل الاكتئاب والقلق. يؤثّر الإدمان على الوظائف التنفيذيّة للدماغ؛  ما قد لا يجعل الأفراد المصابون بالإدمان غير مدركين أنّ سلوكهم يسبّب مشاكل لأنفسهم وللآخرين.

على الرغم من أنّ الإدمان يؤدّي غالبًا إلى الشعور باليأس والفشل، وكذلك الشعور بالعار والذنب، فإنّ التعافي هو القاعدة وليس الاستثناء. هناك العديد من الطرق للتعافي. يمكن للأفراد تحسين أدائهم للوظائف البدنيّة، والنفسيّة، والاجتماعيّة بمفردهم؛ وهو ما يسمّى بالتعافي الطبيعيّ. يستفيد آخرون من دعم الجماعة أو الشبكات القائمة على الأقران. وهناك أشخاص يحقّقون التعافي بمساعدة الخدمات السريريّة للمهنيّين المعتمدين.

عادةً ما يؤدّي التوقّف عن تعاطي الموادّ إلى فترة من الضيق النفسيّ والجسديّ الحادّ، والمستهلك في كثير من الأحيان للتفكير والوقت. يُشار إلى هذه الفترة عمومًا بالانسحاب (بالانجليزيّة: Withdrawal)، وتنحسر في غضون أيّام أو أسابيع. تتراوح أعراض الانسحاب من القلق، والرعاش، والغثيان إلى الهلاوس والنوبات الصرعيّة، وتختلف بشكل كبير اعتمادًا على نوع العقار المُستخدَم، ومدّة استخدامه، ومدى قدرته. غالبًا ما تدفع أعراض الانسحاب غير السارّة إلى استمرار تعاطي العقاقير، وغالبًا ما يحتاج الأشخاص خلال فترة الانسحاب إلى رعاية داعمة بشكل مكثّف.

تُعرَّف اضطرابات تعاطي الموادّ حاليًّا وفقًا لفئة العقار المستخدم، مثل اضطراب تعاطي الموادّ الأفيونيّة، واضطراب تعاطي المنشّطات، واضطراب تعاطي المهدّئات، وغيرها. على الرغم من أنّ الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزية: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders، واختصاره: DSM) يحدّد (10) أنواع من اضطرابات تعاطي الموادّ، تتشارك جميعها السمات المُعرِّفة للإدمان:

  • تنطوي بشكل مباشر ومكثّف على أنظمة المكافأة والتعزيز للدماغ.
  • تحفّز التعاطي القهريّ الذي يؤدّي إجمالًا إلى إهمال الأنشطة العاديّة والعواقب السلبيّة.

كما تتشارك اضطرابات تعاطي الموادّ أعراضًا شائعة، مع بعض الاختلافات في ما بينها.

اضطراب تعاطي الكحول هو اضطراب تعاطي الموادّ الأكثر شيوعًا، خاصّة بين الرجال الراشدين؛ علمًا أنّ معدّلاته بين النساء في ارتفاع. تشكّل الكحول العقار المفضّل لدى المراهقين والشباب البالغين، والمعرّضين بشكل خاصّ للمعاناة من الآثار السيّئة عند نهم الشرب.

يشمل اضطراب تعاطي الموادّ الأفيونيّة الإدمان على الهيروين، وهو مخدّر غير امشروع، ومسكّنات الألم التي تُصرَف بوصفة طبّيّة مثل الأوكسيكودون (Oxycodone)، والكودين (Codeine)، والمورفين (Morphine)، والفنتانيل (Fentanyl).

وفقًا للجمعيّة الأمريكيّة لطبّ الإدمان، فإنّ الجرعات الزائدة المرتبطة بالموادّ الأفيونيّة هي السبب الرئيسيّ للوفاة بين الأمريكيّين الذين تقلّ أعمارهم عن (50) عامًا، والموادّ الأفيونيّة الموصوفة طبّيًّا هي «المصدر الأوّليّ الساحق» للإدمان.

أعراض الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ

تنقسم الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ عمومًا إلى مجموعتين هما:

  1. الاضطرابات المستحثّة بالموادّ.
  2. اضطرابات تعاطي الموادّ.

تشمل الاضطربات المستحثّة بالموادّ ما يلي:

  • التسمّم (بالانجليزيّة: Intoxication).
  • الانسحاب.
  • الاضطرابات النفسيّة الأخرى التي يمكن أن تسبّبها العقاقير أو الموادّ الأخرى، مثل الاضطرابات الذهانيّة واضطرابات النوم.

أمّا تعاطي الموادّ فليس اضطرابًا في حدّ ذاته. وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة، يصبح تعاطي الموادّ اضطرابًا عندما يستعصي على السيطرة ويتداخل مع الأداء الوظيفيّ. يتجنّب الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة مصطلح «الإدمان» -ومع ذلك يشير إلى اضطرابات الإدمان- ويفضّل بدلاً منه مصطلح «اضطراب تعاطي الموادّ». يصنّف الدليل (10) أنواع من اضطرابات تعاطي الموادّ اعتمادًا على نوع العقار المُستخدَم، مثل: اضطراب تعاطي الكحول، واضطراب تعاطي المنشّطات (بما فيها الكوكايين)، واضطراب تعاطي الموادّ الأفيونيّة، بما فيها الهيروين).

سواء كانت المادّة المعنيّة هي كراك الكوكايين أو الكحول أو سلوكًا مثل المقامرة، فإنّ القاسم المشترك بين جميع أنواع الإدمان هو التعاطي المستمرّ على الرغم من تطوّر العواقب السلبيّة سواء على الذات، أو العلاقات، أو الشؤون الماليّة، أو الأداء المدرسيّ، أو الأداء المهنيّ، إضافة إلى عدم القدرة على التحكّم في التعاطي. يشير الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة إلى أنّ جميع اضطرابات تعاطي الموادّ «تُنتِج تنشيطًا مكثّفًا لنظام المكافأة إلى الحدّ الذي يمكن فيه إهمال الأنشطة الاعتياديّة». يؤدّي التعاطي المستمرّ أيضًا إلى تغييرات في الوصلات العصبيّة. على الرغم من إمكانيّة عكس هذه التغييرات، فإنّها تجعل الإقلاع أمرًا صعبًا وتكمن وراء الانتكاسات المتكرّرة والاشتهاء الشديد للعقار لدى الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع.

يختلف عمل كلّ نوع من أنواع العقاقير العشرة في الجسم، لكنّ الأعراض السلوكيّة، بما فيها الأعراض المرتبطة بالمقامرة، تتداخل جميعها. ومن السمات المشتركة الأخرى استمرار التغييرات في دوائر الدماغ إلى ما بعد المدّة الذي تستغرقه جميع آثار المادّة لمغادرة الجسم بكثير. في الواقع، تشير الدراسات إلى أنّ الأمر قد يستغرق شهورًا أو أكثر بعد التوقّف عن التعاطي كي يتمكّن الدماغ من عكس التغييرات في الوصلات الدماغيّة والاستجابة للمكافآت العاديّة.

يتّسم اضطراب تعاطي الموادّ بنمط من السلوكيّات المرضيّة المتعلّقة بتعاطي المادّة. استنادًا إلى الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة، تشمل هذه السلوكيّات ما يلي:

  • عدم القدرة على التوقّف عن تعاطي مادّة ما، حتّى عند الرغبة في تقليل التعاطي أو تنظيمه، أو بعد المحاولة عدّة مرّات.
  • انشغال البال بشأن الجرعة التالية أو الحصول على إمداد ثابت من المادّة.
  • الاشتهاء الشديد في أيّ وقت، وخاصّة في الأماكن التي تمّ فيها الحصول على العقار أو تعاطيه سابقًا.
  • تكريس وقت كبير للحصول على المخدّرات، أو تعاطيها، أو التعافي منها.
  • إهمال الأدوار والمسؤوليّات مثل التزامات العمل، أو المدرسة، أو المنزل.
  • المعاناة من مشاكل شخصيّة نتيجة لتعاطي الموادّ.
  • تغيير الأنماط الأجتماعيّة، والانسحاب من الأسرة، والأصدقاء، والأنشطة من أجل تعاطي الموادّ.
  • مواجهة مواقف محفوفة بالمخاطر من أجل التسمّم بالعقار أو الحفاظ على إمداده.
  • تعاطي مادّة ما على الرغم من معرفة أنّها تسبّب ضررًا نفسيًّا أو جسديًّا للذات.
  • تطوير التحمّل الدوائيّ؛ فيتطلّب الحصول على نفس التأثير المزيد من العقاقير. هي سمة شائعة ولكنّها ليست ثابتة للإدمان، وتسمّى أحيانًا التكيّف.
  • تطوير الأعراض الفيسيولوجيّة غير السارّة للانسحاب، والتي تضمّ الاهتزاز، والتعرّق، والغثيان أو القيء، والصداع عند عدم القدرة على تعاطي المادّة. يشكّل الانسحاب علامة متغيّرة للغاية على الإدمان؛ إذ يحدث الانسحاب عند تعاطي بعض العقاقير (مثلًا: الكحول) ولا يحدث عند تعاطي البعض الآخر (مثلًا: الكوكايين). ومع ذلك، غالبًا ما يدفع الانسحاب إلى استمرار التعاطي. يمكن أن يتطلّب الانسحاب علاجًا طبّيًّا عندما يتوقّف الشخص فجأةً عن تعاطي الموادّ الكثيف.

إلى جانب العلامات التشخيصيّة للإدمان، عادةً ما يظهر الأشخاص المدمنون عددًا من الخصائص السلوكيّة الأخرى:

  • السرّيّة حول الأنشطة والعلاقات، وكذلك الفضاء الخاصّ لإخفاء تعاطي الموادّ.
  • تغييرات مفاجئة في أنماط النشاط، ورفض المشاركة في الأنشطة التي كان يتمتّع بها من قبل.
  • الكذب بشأن مكان التواجد، والغياب، وعادات الاستهلاك، إضافة إلى اختلاق الأعذار للسلوك غير الاعتياديّ.
  • فقدان الطاقة أو الدافعيّة.
  • إهمال المظهر.
  • السرقة من أجل تغطية تكاليف العقاقير.

يشكّل العجز عن التحكّم في استهلاك العقاقير حتّى عند الرغبة بذلك علامة أساسيّة على الإدمان. كما يتّسم الإدمان عادةً بالإلحاحات أو الاشتهاء؛ فالرغبة الشديدة في الحصول على المادّة تجعل من الصعب التفكير في أيّ شيء آخر.

للتسمّم مظاهره النفسيّة المميّزة مثل العدوانيّة، وتقلّب المزاج، الأحكام غير السليمة، و«الحضور الغائب». تنجم هذه المظاهر عن تأثيرات المادّة على الجهاز العصبيّ المركزيّ. كما يُظهِر الأشخاص المصابون بالتسمّم اضطرابات في الإدراك، ومشاكل في الانتباه، وتعطيل أنماط التفكير، وسهولة الارتباك، بالإضافة إلى صعوبات في فهم بالآخرين.

يمكن أن يكشف الإدمان عن نفسه من خلال العلامات الجسديّة، والنفسيّة، والسلوكيّة، على الرغم من أنّها خصائص تشخيصيّة للحالة. قد يؤدّي تعاطي الموادّ إلى اتّساع حدقة العين، وتداخل الكلام، وعدم ترابطه. كما يمكن ظهور تغيّرات في أنماط الحركة اعتمادًا على نوع المادّة المعنيّة، أو التخلّف الحركيّ النفسيّ (الهيروين)، أو القفز (الكوكايين). غالبًا ما ينشغل الأشخاص الذين يتعاطون الموادّ في التحصّل عليها وتعاطيها إلى الحدّ الذي يتخلّون فيه عن تناول الطعام ويفقدون الوزن فجأة. التبدّل في أنماط النوم والاستيقاظ هو علامة أخرى على الإدمان، كالنوم كثيرًا أو قليلًا، أو في أوقات غير معتادة.

متى يصبح تعاطي الموادّ اضطرابًا؟

تعاطي الموادّ ليس اضطرابًا في حدّ ذاته. يصبح تعاطي الموادّ إدمانًا عندما لا يعود الشخص قادرًا على التحكّم في التعاطي، ويحاول الحدّ من التعاطي غير أنّه يواجه صعوبة في ذلك، ويتعارض التعاطي مع الأنشطة اليوميّة (العمل، والمدرسة، والعلاقات). إذًا لا يصبح كلّ من يتعاطى مادّة ما مدمنًا عليها؛ فالإدمان لا يتوقّف على كميّة الموادّ المستهلكة.

ما الفرق بين تعاطي الموادّ والاعتماد عليها؟

يمكن أن تكون المصطلحات المتعلّقة بالإدمان مربكة، وهي مترادفة اليوم. قد يكون للمصطلحات المُستخدَمة في اللغة الشائعة معانٍ أكثر دقّة في الأوساط الطبّيّة. علاوة على ذلك، تخضع المصطلحات المُعتمَدة رسميًّا نفسها للتغيير، عادةً نتيجة لتطوّر فهم طبيعة الاضطرابات. مع نشر الإصدار الخامس من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة في عام (2013)، أعادت الجمعيّة الأمريكيّة للطبّ النفسيّ (بالإنجليزيّة: American Psychiatric Association، واختيارها: APA) تسمية تعاطي الموادّ والاعتماد عليها باضطراب تعاطي الموادّ. وبينما ألغى الدليل رسميًّا مصطلح الإدمان، يشير إلى اضطرابات تعاطي الموادّ على أنّها اضطرابات إدمانيّة. لن تتمّ كتابة المصطلحات النهائيّة حتّى يفهم علم الأعصاب تمامًا طبيعة السلوكيات المتكرّرة.

هل توجد طرق لمعرفة ما إذا كان الشخص مصاب باضطراب تعاطي الموادّ؟

قد يكون من الصعب على الشخص الاعتراف بأنّه يعاني من الإدمان. يشعر معظم الناس بالخزي الشديد من وجود مشكلة تخرج عن سيطرتهم. هناك علامات سلوكيّة شائعة تشير إلى أنّ شخصًا ما يعاني من اضطراب تعاطي الموادّ:

  • توتّر العلاقات مع العائلة والأصدقاء القدامى.
  • مشاكل في المسؤوليّات والأداء في مجالات الدراسة والعمل.
  • سرقة الموادّ أو المال لشرائها.
  • الكذب على الأصدقاء والعائلة بشأن مكان وجودهم.
  • التغيّرات السلبيّة في المظهر.

ما هي أنواع اضطرابات تعاطي الموادّ؟

يحدّد الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (10) أنواع متمايزة من اضطرابات تعاطي الموادّ:

  1. اضطراب تعاطي الكحول.
  2. الاضطرابات المتعلّقة بالكافيين.
  3. اضطراب تعاطي القنب.
  4. الاضطرابات المرتبطة بالمهلوسات، بما في ذلك اضطراب تعاطي الفينسيكليدين (Phencyclidine).
  5. اضطراب تعاطي المستنشقات.
  6. اضطراب تعاطي الموادّ الأفيونيّة؛ وتشمل الهيروين، والمورفين، والكودين، والأوكسيكودون، والفنتانيل.
  7. اضطراب تعاطي المهدّئات، أو المنوّمات، أو مزيلات القلق؛ وتشمل جميع الأدوية المنوّمة الموصوفة طبّيًّا وأغلب الأدوية المضادّة للقلق الموصوفة طبّيًّا.
  8. اضطراب تعاطي المنشّطات؛ وتشمل الأمفيتامينات والكوكايين.
  9. اضطراب تعاطي التبغ.
  10. اضطراب تعاطي موادّ أخرى (أو غير معروفة)؛ وتشمل الموادّ مضادّات الهيستامين، وجوز التنبول، أكسيد النيتروز، والستيرويدات، أو أيّ مادّة ذات تأثير نفسيّ يتمّ تعاطيها بشكل متكرّر على الرغم من ظهور مشاكل خطيرة من تعاطيها.

أسباب الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ

توضح الأبحاث أنّه لا يوجد سبب واحد لاضطراب تعاطي الموادّ. لا توجد وسيلة للتّنبّؤ بمن سوف يطوّر تعاطيًا قهريًّا الموادّ أو سلوكًا مقامرًا. الإدمان هو حالة متعدّدة الأوجه، تنشأ عن تلاقي العديد من العناصر، أكثرها وضوحًا هو التعرّض لعامل إدمانيّ. تشمل عوامل خطر نشوء اضطرابات تعاطي الموادّ ما يلي:

  • العوامل البيولوجيّة؛ ومنها التباين الجينيّ الذي يحدّد تركيب المستقبلات العصبيّة للناقل العصبيّ الدوبامين، وطبيعة استجابة الجسم الهرمونيّة للضغط العصبيّ، والتغيّرات في إنزيمات الكبد التي تستقلب الموادّ.
  • العوامل النفسيّة؛ بما فيها خصائص الشخصيّة مثل الاندفاعيّة، وتاريخ من الصدمة وغيرها من التجارب السلبيّة الهامة؛ والقابليّة للقلق.
  • العوامل البيئيّة، مثل إمكانيّة الوصول إلى الموادّ، وطبيعة مجموعات الأقران والعلاقات الاجتماعيّة، والوضع الوظيفيّ (مثلًا: تزعزع البطالة الاستقرار وتحبط الروح المعنويّة).

كما يرتبط سوء تعاطي الموادّ بعمر الشخص، ومرحلة حياته، وتوفّر الفرص للمستقبل.

تظهر الاستبيانات أنّ تعاطي الموادّ غير المشروعة يمثّل في المقام الأوّل مشكلة يواجهها الشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين (18 – 25) عامًا في البلدان الصناعيّة. أمّا سوء تعاطي العقاقير الموصوفة طبّيًّا فهو أكثر شيوعًا بين النساء في منتصف العمر والأكبر سنًّا.

يعاني العديد من الأشخاص المصابين باضطرابات تعاطي الموادّ أكثر من نوع واحد من الإدمان أو مشكّلة تتعلّق بالصحّة النفسيّة. ويكون أطفال الأهالي الذين يعانون من اضطرابات تعاطي الموادّ أكثر عرضة من المتوسّط للإصابة بهذه الاضطرابات.

لماذا يصبح الأشخاص مدمنين؟

عند النظر إلى الإدمان من دون التسرّع في الحكم، يُعَدّ الإدمان محاولة غير مثمرة لحلّ مشكلة ما. فالإدمان يوفّر راحة من الخجل، والألم، والصعوبات في العلاقات، ونقص الفرص في الحياة، والخسارات، والفشل من أيّ نوع، وأكثر من ذلك بكثير. يشكّل الإدمان من هذا المنظور علامة على العجز عن التعامل مع العوامل المجهدة؛ ما يجعل اكتساب مهارات التأقلم هو عنصرًا ثابتًا من عناصر العلاج الناجح.

لماذا يصبح بعض الأشخاص فقط مدمنين؟

تؤدّي العوامل البيولوجيّة دورًا إلى حدّ ما في الإدمان. تشير الدراسات إلى أنّ السلالات المختلفة من الحيوانات تختلف في مدى استعدادها لتطوير سلوكيّات شبيهة بالإدمان بعد تعرّضها للعقاقير. قد تكون هناك اختلافات طبيعيّة في كمّيّة الدوبامين، وهو المادّة الكيميائيّة المكافئة التي تطلقها الأنشطة الممتعة. تؤدّي بيئة الشخص دورًا مهمًّا في الإدمان أيضًا. على سبيل المثال، تؤثّر مجموعات الأقران على السلوك، خاصّة بين المراهقين. تشير الدراسات إلى أنّ بعض العوامل وقائيّة بشكل فعّال، ومنها: الروابط الأسريّة القوّيّة، والنجاح في المدرسة أو الحياة، والمهارات الاجتماعيّة، ومهارات حلّ المشكلات بشكل عامّ.

هل لدى بعض الأشخاص شخصيّة إدمانيّة؟

القول إنّ سمة شخصيّة معيّنة -أو عامل جينيّ، أو تجربة معيّنة- تجعل الإدمان محتملًا ليس سوى خرافة. في الواقع، هناك عدد من السمات الشخصيّة الشائعة التي تؤثّر بشكل غير مباشر على خطر نشوء التعاطي الإشكاليّ للموادّ. على سبيل المثال، قد يكون الأشخاص المعرّضون للسعي وراء الإثارة أكثر عرضة من غيرهم للتواجد في مواقف تضمّ تعاطي العقاقير. أمّا الأشخاص الذين يسجّلون درجات عالية من العصابيّة فغالبًا ما تقهرهم الإحباطات الطفيفة ويكونون عرضة لمجموعة واسعة من مشاكل الصحّة النفسيّة، من القلق والاكتئاب إلى تعاطي الموادّ.

القول إنّ الإدمان يتسبّب في تغيير الشخصيّة هو خرافة أيضًا. يبدّل التعاطي القهريّ المميّز للإدمان أنماط السلوك؛ لكنّه لا يغيّر بنية الشخصيّة. كلّما حُفِر الدافع وراء العقار ومكافأته في دوائر الدماغ، ضعفت المناطق المسؤولة عن الحكم والسيطرة في الدماغ. نتيجة لذلك، يمكن للأشخاص المدمنين التصرّف بطرق لا يحبّذونها، مثل الكذب، والسرقة، والانسحاب الاجتماعيّ، والشكّ، وإهمال الالتزامات؛ ثمّ يشعرون لاحقًا بالذنب والعار بشأن سلوكهم الإدمانيّ. يستغرق الدماغ وقتًا عكس التغييرات الحاصلة في الوصلات الدماغيّة بعد التوقّف عن تعاطي الموادّ أو تقليلها بشكل كبير.

هل يمكن أن يؤدّي إدمان الموادّ إلى اضطرابات أخرى في الصحّة النفسيّة؟

غالبًا ما يتزامن تعاطي الموادّ مع مشاكل الصحة النفسيّة الأخرى، ويُطلَق عليها عادةً التشخيص المزدوج. يمكن أن يكشف علاج اضطراب تعاطي الموادّ عن حالة كامنة مثل: الاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو ضيق انفعاليّ آخر. عادةً ما يتوقّف التعافي من الإدمان على معالجة مشكلة الصحّة النفسيّة الكامنة وحلّها في نفس الوقت وبطريقة متكاملة. تقوم جميع برامج العلاج الجيّدة بفحص المرضى الجدد بحثًا عن اضطرابات الصحّة النفسيّة المصاحبة لاضطراب تعاطي الموادّ.

علاج الاضطرابات المتعلّقة بالموادّ

إنّ التعافي من الإدمان ليس ممكنًا فحسب؛ بل هو القاعدة وليس الاستثناء. وفقًا للمسح الوطنيّ السنويّ الأحدث بالولايات المتّحدة الأمريكيّة حول تعاطي الموادّ والصحّة، يتعافى أكثر من (75%) من الأشخاص المدمنين على الكحول أو الموادّ، أي تتحسّن حالتهم، ولا يعود تعاطي الموادّ مهيمنًا على حياتهم. لكن غالبًا ما يكون التعافي عمليّة طويلة الأمد، وقد تنطوي على عدّة محاولات. في الواقع، يُعتبَر الانتكاس جزءًا من عمليّة التعافي؛ وتتناول أنظمة العلاج الفعّالة الوقاية من التعاطي المتكرّر وإدارته.

بما أنّ النجاح لا يحدث دفعة واحدة، تُعتبَر أيّ تحسينات تعتبر علامات مهمّة للتقدّم. تتوفّر على نحو متزايد البرامج التي لا تتطلّب الامتناع التامّ كشرط لتلقي المساعدة؛ ويُشار إليها إجمالًا ببرامج الحدّ من الضرر.

نظرًا لطبيعة الإدمان، ينقسم العلاج عمومًا إلى مرحلتين متمايزتين. المرحلة الأولى هي مرحلة تمهيديّة، تستمرّ لأيّام أو أسابيع، وتتناول الآثار الفيسيولوجيّة لإيقاف مادّة كيميائيّة نشطة حيويًّا. مع تخلّص الجسم من مادّة كان يعتمد عليها وتكيّف معها، يتمّ تقديم الرعاية الداعمة والهادفة إلى إدارة الانزعاج الجسديّ الحادّ، واشتهاء الموادّ، والضيق النفسيّ الناتج. تشكّل هذه المرحلة من إزالة السموم من الجسم وإدارة الانسحاب، والتي يمكن إجراؤها في محيط تحت إشراف طبيّ، مجرّد مقدّمة للتعافي.

أمّا المرحلة الثانية من التعافي والأطول عمومًا من المرحلة الأولى فتتناول الجوانب العديدة لأداء الفرد الوظيفيّ الذي يؤثّر عليه الإدمان؛ ومن هذه الجوانب: القدرة على تحمّل الإحباط، وتأسيس دور منتج في المجتمع والمحافظة عليه. بناءً على ما سبق، يركّز العلاج الجيّد على تحسين الإدارة الذاتيّة، والأدوار الاجتماعيّة والأسريّة، ومهارات العمل، وكذلك الصحّة النفسيّة. يمكن أن تشمل مكوّنات العلاج، والتي غالبًا ما تشكّل توليفة علاجيّة وتتغيّر خلال مسار التعافي، ما يلي:

  • الأدوية، وتُستخدَم أحيانًا للحدّ من تعاطي الموادّ غير المشروعة أو مكافحتها، أو لاستهداف الاضطرابات المتزامنة مثل القلق والاكتئاب.
  • المقابلات لزيادة الدافعيّة؛ وهي عمليّة استشاريّة قصيرة الأجل تساعد الأشخاص على حلّ التناقض بشأن العلاج والحفاظ على حوافز التغيير.
  • العلاج السلوكيّ المعرفيّ (بالإنجليزيّة: Cognitive Behavioral Therapy، واختصاره: CBT)؛ ويساعد الأشخاص على التعرّف على المواقف التي تستثير الرغبة في تعاطي الموادّ والتعامل معها، ويزوّدهم بمهارات التعامل العامّة.
  • العلاج الجماعيّ وبرامج دعم الأقران الأخرى؛ والتي تستفيد من الخبرة المباشرة للكثيرين لدعم التعافي الفرديّ ومنع تكرار تعاطي المخدّرات.
  • العلاج الأسريّ؛ ويساعد الأفراد على إصلاح الضرر الذي يحدث غالبًا في العلاقات الأسريّة، وإنشاء علاقات أكثر دعمًا.
  • التدريب على المهارات الحيّاتيّة، بما في ذلك مهارات التوظيف.

لا يوجد مسار واحد للشفاء. العلاج متاح في مجموعة متنوّعة من الأماكن، من عيادة الطبيب أو العيادة الخارجيّة إلى منشأة سكنيّة طويلة الأجل. لن تكون هناك طريقة واحدة مناسبة للجميع. علاوة على ذلك، تظهر الدراسات أنّ التزام الشخص بالتغيير أكثر أهمّيّة من نوع برنامج العلاج المختار.

وفقًا لإصدارات المسح الوطنيّ السنويّ حول تعاطي الموادّ والصحّة، يتلقّى (1%) فقط من الأشخاص علاجًا لتعاطي الموادّ كمرضى داخليّين أو خارجيّين في منشأة متخصّصة. يسعى بعض الأشخاص للحصول على العلاج الطبّيّ في المستشفى. ويطلب آخرون المساعدة من منشأة للصحّة النفسيّة للمرضى الخارجيّين. يختار الكثيرون التعافي دون اللجوء إلى أيّ خدمات عياديّة؛ بينما قد يستخدمها بعض الأشخاص في المرحلة الأولى من العلاج فقط. المسار الوحيد الأكثر شيوعًا هو اللجوء إلى جماعات دعم الأقران.

التعافي ليس سهلاً ولا سريعًا؛ والانتكاس محتمل. على الرغم من احتماليّة استمرار الانتكاس في أيّ مكان من ساعات إلى أيّام وحتّى سنوات، فإنّه لا يجعل الهدأة كاملة مستحيلة. يشكّل الانتكاس إشارة إلى أنّ هناك استراتيجيّات تعامل يجب على الشخص تعلّمها، إلى جانب المهارات اللازمة للتغلب على الاشتهاء. أفاد الباحثون أنّه بعد خمس سنوات من الهدأة كاملة، لا تكون احتماليّة الانتكاس أكبر من خطر الإصابة بالإدمان بين عامّة السكّان.

ما هي عناصر برنامج العلاج الجيّد؟

هناك أنواع عديدة من مرافق وبرامج العلاج. تتّسم البرامج الفعّالة بالعديد من المميّزات، ومنها:

  • فحص طبّيّ ونفسيّ شامل.
  • العلاج الذي يلبّي الاحتياجات الفرديّة، بما في ذلك الحالات المصاحبة، سواء كانت الآلام المزمنة، أو القلق، أو التهاب الكبد.
  • إشراك الأسر في العلاج.
  • استمراريّة الرعاية بهدف ربط المرضى بالموارد في مراحل التعافي اللاحقة.
  • بيئة محترمة.
  • خدمات العلاج القائمة على الأدلّة والتي تعكس الممارسات الفضلى.
  • الموظّفون المرخّصون والمعتمدون في التخصّصات التي يمارسونها.
  • اعتماد برنامج العلاج من قبل وكالة مراقبة معترف بها على المستوى الوطنيّ.
  • رصد الاستجابة الفرديّة للعلاج وتوافر بيانات النتائج الجماعيّة حول أداء العلاج.

هل يمكن علاج الإدمان بالأدوية؟

من الشائع استخدام العلاج بمساعدة الأدوية (بالإنجليزيّة: Medication assisted treatment، واختصاره: MAT) للأشخاص الذين يسعون إلى التغلّب على إدمان الكحول أو الموادّ الأفيونيّة؛ إذ يساعد في تخفيف الاشتهاء وأعراض الانسحاب. قد يؤدّي انسحاب الكحول إلى مخاطر جسديّة، بما في ذلك التغيّرات السريعة في ضغط الدم واحتمال حدوث النوبات الصرعيّة. يمكن للأدوية مواجهة هذه المخاطر، كذلك النقص الغذائيّ الحادّ الذي يصاحب غالبًا شرب الكحول طويل الأمد. تتوفّر عوامل صيدلانيّة محدّدة، لا سيّما البوبرينورفين (Buprenorphine)، لمواجهة أعراض انسحاب الموادّ الأفيونيّة، مثل الهيروين، والأوكسيكودون، والفنتانيل.

لكنّ الدواء وحده لا يشفي من الإدمان. عادةً ما يُعطى الدواء -عند استخدامه- إلى جانب العلاج النفسيّ لمساعدة الأشخاص على فهم ما دفعهم إلى الإدمان، واكتشاف طرق أكثر إنتاجيّة لحلّ مشاكل الحياة، وإعادة بناء حياة مجزية.

ما هي فوائد العلاج النفسيّ؟

عادةً ما ينطوي التعافي من الإدمان على صراع شخصيّ شديد. يساعد العلاج النفسيّ الأشخاص على:

  • إيجاد الدافعيّة الداخليّة للتّغيير والتمسّك بها على الرغم من الصعوبات.
  • فهم سبب لجوئهم إلى تعاطي الموادّ، كي يتمكّنوا من تلبية هذه الحاجة بطرق صحّيّة أكثر.
  • علاج الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات النفسيّة الأخرى التي تصاحب عادة الإدمان.
  • تنمية مهارات التأقلم الملموسة بهدف مواجهة تحدّيات الحياة بدون الموادّ.
  • تحديد المواقف التي تستثير تعاطي الموادّ، وتطوير طرق عمليّة لإدارتها.

ما هي الطريقة الأفضل لعلاج الإدمان وفقًا للدراسات؟

ينجح معظم الأشخاص في التغلّب على الإدمان؛ فيستعيدون القدرة على التحكّم في تعاطي الموادّ، والرفاهيّة العامّة، والأداء كأعضاء منتجين في المجتمع. التعافي عمليّة تنطوي على استعادة الدافعيّة الشخصيّة والغرض، وهي تختلف من فرد لآخر.

يلجأ العديد من الأشخاص خلال عمليّة التعافي إلى شكل ما من المساعدة، وغالبًا ما تكون أشكالًا مختلفة في أوقات مختلفة، مثل البرامج العياديّة الداخليّة أو الخارجيّة، والعلاج النفسيّ الفرديّ أو الجماعيّ، ومجموعات الدعم المتبادل، وبرنامج التدريب الوظيفيّ، وغيرها من أشكال المساعدة. أكثر برامج العلاج فعّاليّة هي تلك التي تساعد الأشخاص على الإيمان بقدرتهم على النجاح، مهما بلغ عدد المحاولات لتحقيقه.

مصدر Psychology Today

المصادر+

فريق الاعداد
ترجمة: سارة صطوف
مراجعة علمية: سحر هيام
تدقيق لغوي: سحر هيام
تحرير: إسلام سامي

التعليقات مغلقة.