فقدان الشهيّة العصبيّ: أعراض، وأسباب، وعلاج
فقدان الشهيّة العصبيّ (بالإنجليزيّة: Anorexia Nervosa) هو اضطراب أكل يَظهر عندما يرفض الشخص تناوُل كمّيّة كافية من الطعام، أو يعجز عن الحفاظ على الحدّ الأدنى من وزنه ضمن فئة «الوزن الطبيعيّ» حسب مؤشّر كتلة الجسم (بالإنجليزيّة: Body Mass Index، واختصاره: BMI). يشكّل فقدان الشهيّة العصبيّ مع الشره المرضيّ العصبيّ (بالإنجليزيّة: Bulimia Nervosa)، واضطراب نهم الطعام (بالإنجليزيّة: Binge Eating Disorder) الأنواع الثلاثة الرئيسيّة من اضطرابات الأكل والتغذية.
يعاني الأفراد المصابون بفقدان الشهيّة عادةً من تشوّه في صورة الجسد؛ إذ يرون أنفسَهم سِمانًا، ويخافون كثيرًا من اكتساب الوزن أو السمنة. تستحوذ عمليّة التقييد -وهي غالبًا ذات طبيعة وسواسيّة- على تفكيرهم؛ فيطوّرون عادات أكل غير اعتياديّة، مثل: تجنّب الطعام أو الوجبات التي تحتوي على سعرات حراريّة مرتفعة، وانتقاء بعض الأطعمة وتناولها حصرًا بكمّيّات صغيرة، أو وزن الطعام وتقسيمه بحذر. قد يتحقّق الأشخاص المصابون بفقدان الشهيّة من أوزانهم مرارًا، وينخرطون في أساليب مختلفة للتحكّم بها، مثل: ممارسة الرياضة بشكل مكثّف وقهريّ، أو سوء استخدام المسهّلات، والحقن الشرجيّة، ومدرّات البول. غالبًا ما تعاني الفتيات المصابات بفقدان الشهيّة من تأخّر دورتهنّ الشهريّة الأولى، أو انقطاع الحيض أي غياب الدورة الشهريّة.
في الولايات المتّحدة، يصيب فقدان الشهيّة حوالي (0.9%) من الإناث -لا سيّما الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين (15) سنة و(19) سنة- وحوالي (0.3%) من الذكور.
أعراض فقدان الشهيّة العصبيّ
تتطوّر اضطرابات الأكل غالبًا خلال المراهقة، أو الرشد المُبكِّر؛ ولكن تشير بعض التقارير إلى إمكانيّة وقوع بداياتها خلال الطفولة، أو لاحقًا عند الرشد المتأخّر. تبعًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، واختصاره: DSM-5)، تشمل أعراض فقدان الشهيّة العصبيّ ما يلي:
- رفض الشخص الحفاظ على الحدّ الأدنى من وزنه الطبيعيّ نسبةً إلى عمره وطوله، أو فوق هذا الحدّ.
- خوف الشخص الشديد من اكتساب الوزن أو السمنة، على الرغم من انخفاض وزنه عن معدّله الطبيعيّ.
- اضطرابًا في كيفيّة اختبار الشخص لوزنه أو شكل جسده، أو التأثير المفرط لهما على تقييمه الذاتيّ، أو إنكاره لمدى خطورة نقص وزنه.
وفقدان الشهيّة العصبيّ نوعان:
- النوع التقييديّ (بالإنجليزيّة: Restricting Type): تشمل طريقةُ خسارة الوزن الأساسيّة تقييدَ كمّيّة الطعام المتناولة، أي عبر الحمية الغذائيّة، والصوم، والإفراط في ممارسة الرياضة، لمدّة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر. لا ينخرط الأشخاص المصابون بفقدان الشهيّة من النوع التقييديّ في سلوكيّات مرتبطة بالإفراط في تناول الطعام، أو إفراغ الأمعاء.
- نوع الإفراط / الإفراغ، ويسمّى أيضًا نوع نهم الطعام / التطهير (بالإنجليزيّة: Binge-eating/Purging Type): ينخرط الأشخاص المصابون بفقدان الشهيّة من نوع الإفراط / الإفراغ في نوبات من الإفراط في تناول الطعام، أو سلوكيّات إفراغ الأمعاء مثل التقيّؤ المستحثّ ذاتيًّا، أو سوء استخدام المليّنات، أو مدرّات البول، أو الحقن الشرجيّة.
أسباب فقدان الشهيّة العصبيّ
نَجد فقدان الشهيّة العصبيّ واضطرابات الأكل الأخرى عادةً في الثقافات والبيئات التي تعتبر النحافةَ أمرًا مرغوبًا به. تشمل هذه الثقافات والبيئات البلدانَ ما بعد الصناعيّة وذات الدخل المرتفع، حيث تقدّم صيحات الموضة، وحملات المبيعات، والإعلام النحافةَ على أنّها سمة مرغوبة أو نموذجيّة. كما تعزّز بعض النشاطات والمِهَن، مثل عرض الأزياء وألعاب الرياضة، فكرةَ النحافة بالحدّ الأكبر من المسموح به صحّيًّا، بهدف أداء هذه النشاطات والمهن بشكل جيّد.
يمكن لبداية اضطراب الأكل الارتباط بواقعة حياتيّة مجهدة، مثل مغادرة المنزل بغية الالتحاق بالجامعة بالنسبة إلى الأشخاص في مرحلة الشباب، أمّا بالنسبة إلى النساء الأكبر سنًّا، فتشمل هذه الوقائع الفترات الانتقاليّة المماثلة، كالعودة إلى العمل بعد إنشاء أسرة، أو إيجاد عمل جديد، أو الطلاق.
ترتبط أيضًا العوامل المزاجيّة، مثل طلب الكمال والسمات الوسواسيّة في الطفولة، باضطرابات الأكل.
يبدو أنّ الوراثة تؤدّي دورًا مهمًّا في خطر تطوير فقدان الشهيّة؛ إذ يتضاعف انتشاره بين الأقارب من الدرجة الأولى، وكذلك بين التوائم المتطابقة (أكثر من نسبة انتشاره بين التوائم الشقيقة).
كشفت الدراسات المتعلّقة بأساسيّات بيولوجيا السيطرة على الشهيّة، وتبدّلها نتيجة الإفراط المطوّل في الأكل أو الجوع الشديد تعقيدًا هائلًا. يمكن لنتائج هذه الدراسات تطوير علاجات دوائيّة جديدة لاضطرابات الأكل لاحقًا. يشتبه العلماء وجود تفاعُل بين جينات متعدّدة وبين عوامل بيئيّة، وعوامل أخرى تضاعف من خطر تطوير هذه الاضطرابات.
علاج فقدان الشهيّة العصبيّ
غالبًا ما تلازم اضطراباتَ الأكل اضطراباتٌ نفسيّة أخرى، مثل: الاكتئاب، وسوء تعاطي الموادّ، واضطرابات القلق، واضطراب الشخصيّة الحدّيّة. كما يمكن أن ترافقها مضاعفاتٌ عدّة على مستوى الصحّة الجسديّة، كخسارة الكثافة المعدنيّة للعظام، وفقر الدمّ. تضمّ المضاعفات أيضًا مشاكل خطيرة بالقلب، وفشلًا كلويًّا، والتي قد تؤدّي إلى الموت. من المهمّ إذًا الاعتراف بأنّ اضطرابات الأكل هي أمراض حقيقيّة، ويمكن علاجُها.
يشكّل الإرشاد والعلاج، إضافة إلى العناية الطبّيّة للصحّة والاحتياجات الغذائيّة، جانبًا مهمًّا من العلاج. تتطلّب اضطرابات الأكل -بسبب تعقيداتها- خطّة علاج شاملة تنطوي على عناية ومراقبة طبّيّتَين، وتدخّلات اجتماعيّة-نفسيّة، وإرشاد تغذويّ، وتدبير دوائيّ عند الحاجة. كلّما تمّ تحديد الاضطراب وتشخيصه عاجلًا، تحسّنت فرص العلاج والنتائج الناجحة.
لعلاج فقدان الشهيّة (3) أهداف أسياسيّة:
- استعادة الوزن المفقود جرّاء الحمية الغذائيّة الشديدة والسلوك التطهيريّ.
- معالجة الاضطرابات النفسيّة المرتبطة بمشاكل صورة الجسد.
- تخفيف أعراض الاضطراب وإعادة التأهيل طويلَي الأمد، أو التعافي التامّ.
العلاج النفسيّ
يمكن للعلاج النفسيّ أن يكون مفيدًا وضروريًّا للكشف عن العوامل التي تعزّز المخاوف حول الأكل واكتساب الوزن. كما يمكنه مساعدة الفرد في التعامل مع المشاكل المتعلّقة بصورة الجسد، والثقة بالنفس، والتحكّم، وطلب الكمال.
يُعَدّ العلاج السلوكيّ المعرفيّ (بالإنجليزيّة: Cognitive Behavioral Therapy، واختصاره: CBT) نوع علاج فعّال لاضطرابات الأكل. إذ إنّه ذو فترة زمنيّة محدودة، وطبيعة مركّزة؛ ما يساعد الفرد على الربط بين أفكاره، ومعتقداته، وسلوكيّاته. يعمل العلاج السلوكيّ المعرفيّ على تعزيز بعض العناصر السلوكيّة، وبناء القدرة على تحمّل الإزعاج والضيق المرتبطَين بالطعام. يسهم ذلك في جعل أنماط الأكل سويّةً، والانخراط في سلوكيّات تعزّز اكتساب وزن صحّيّ. قد يلقي العلاج السلوكيّ المعرفيّ الضوء على الخلل الوظيفيّ في أنماط التفكير، والمواقف والمعتقدات السلبيّة حول الطعام وتناوله، والتي تعزّز الخزي من الجسد وقلّة الثقة.
يُعتبَر العلاج الأسريّ أيضًا وسيلة فعّالة لعلاج فقدان الشهيّة العصبيّ، واضطرابات أكل أخرى. «أسلوب (ماودسلي)» هو طريقة علاج أسريّ يدمِج الأهل كعملاء فاعلين يؤدّون دورًا إيجابيًّا في مسيرة تعافي طفلهم. تشدّد هذه المقاربة -والتي طُوّرَت في مستشفى (ماودسلي) في (لندن) عام (1985)- على ضرورة هدوء الأهل، ودعمهم، وثباتهم في إطعام الطفل أو المراهق ذي سلوكيّات أكل مضطربة.
العلاج الدوائيّ
يبقى دور الأدوية محدودًا في علاج اضطرابات الأكل. لكن يمكن لمضادّات الاكتئاب وأدوية نفسيّة أخرى المساعدة في علاج الاضطرابات التي قد تصاحب فقدان الشهيّة العصبيّ، مثل الاكتئاب والقلق. عندما يشتدّ اضطراب الأكل إلى حدّ تهديد الحياة، أو يسبّب مشاكل نفسيّة أو سلوكيّة شديدة، يمكن للعلاج في المستشفى أو الوحدة النفسيّة أن يكون محبّذًا.
مقال جميل
[…] الأشخاص المصابين بفقدان الشهيّة العصبيّ (بالإنجليزيّة: Anorexia nervosa)، يمكن للمصابين بمرض الشّره […]
[…] إلى زيادة شديدة في أوزانهم. يشكّل اضطراب نهم الطعام مع فقدان الشهيّة العصبيّ (بالإنجليزيّة: Anorexia Nervosa)، والشره المرضيّ […]