متلازمة توريت: أعراض، وأسباب، وعلاج
اضطراب توريت (بالإنجليزيّة: Tourette’s Disorder)، المعروف أيضًا بمتلازمة توريت (بالإنجليزيّة: Tourette’s Syndrome)، هو اضطراب عصبيّ يتميّز بعَرّات (بالإنجليزيّة: Tics) غير إراديّة، وخارجة عن السيطرة. والعرّات هي أفعال حركيّة أو لفظيّة تحدث بشكلٍ مفاجئ، وسريع، ومتكرّر، وغير إيقاعيّ. تظهر الأعراض عادةً بين سنّ الرابعة والسادسة، ويمكن أن تبلغ أوجّها ما بين (10) و (12) عامًا.
يعاني بعض الأشخاص المصابين بمتلازمة توريت أيضًا من سلوك وسواسيّ قهريّ (أي الحاجة الملحّة إلى تكرار القيام بالأعمال المنجزة سابقًا، كغسل اليدين أو التأكّد من أنّ الباب مغلق)، واضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه (المتمثّل بصعوبة التركيز ومواصلة المهمّات)، وصعوبات التعلّم (كمواجهة صعوبات في القراءة، والكتابة، والحساب)، واضطرابات النوم (كالاستيقاظ المتكرّر أو التحدّث أثناء النوم). وقد تتضمّن الحالات المصاحبة الأخرى: التوحّد، والقلق، والاكتئاب، وسوء استخدام الموادّ، واضطراب السلوك خلال مرحلة الطفولة، وغيرها.
تُشخَّص متلازمة توريت بشكلٍ عامّ من خلال التحصّل على وصفٍ للعرّات، بالإضافة إلى تقييم التاريخ العائليّ للفرد. قد تُستخدَم فحوصات التصوير العصبيّ، كالتصوير بالرنين المغناطيسيّ (بالإنجليزيّة: Magnetic Resonance Imaging، واختصاره: MRI)، أو التصوير المقطعيّ المحوسب (بالإنجليزيّة: Computerized Tomography، واختصاره: CT)، أو مخطّط كهربيّة الدماغ (بالإنجليزيّة: Electroencephalogram، واختصاره: EEG)، أو بعض فحوصات الدم لاستبعاد أيّ من الحالات التي يمكن الخلط بينها وبين متلازمة توريت. أمّا تشخيص متلازمة توريت فيتمّ إكلينيكيًّا؛ إذ إنّ أيًّا من فحوصات الدم أو الفحوصات المخبريّة الأخرى غير قادرة على تشخيص هذا الاضطراب بشكل محدّد.
أعراض متلازمة توريت
- عرّات حركيّة عديدة وعرّة صوتيّة واحدة أو أكثر.
- ظهور العرّات قبل سنّ (18).
- وجوب استمرار هذه العرّات لسنة واحدة على الأقلّ.
- لا يمكن إيعاز هذه العرّات إلى اضطرابات أخرى كاضطراب تعاطي الموادّ، وداء هنتنغتون.
هناك فئتان من العرّات: البسيطة والمعقّدة. العرّات البسيطة هي حركات مفاجئة وموجزة، تستخدم عددًا محدودًا من المجموعات العضليّة، وتحدث بشكلٍ منفرد أو منعزل، وغالبًا ما تتكرّر. بعض من الأمثلة الشائعة على هذه العرّات البسيطة: رمش العين، وهزّ الكتفين، وتكشير الوجه، وانتفاض الرأس، وصوت شبيه بالنباح، وتصفية الحلق، والشمشمة. في حين أنّ العرّات المعقّدة هي أنماط بارزة و متناسقة من الحركات المتتابعة التي تستخدم مجموعات عضليّة متعدّدة. قد تتضمّن العرّات المعقّدة: القفز، أو شمّ الأشياء، أو لمس الأنف، أو لمس الآخرين، أو السلوكيّات المؤذية للنفس. في (%10) إلى (%15) من الحالات، بإمكان العرّات أن تتضمّن قول كلمات وعبارات غير ملائمة اجتماعيًّا، أو الصياح بها؛ ويُطلَق على هذا العارض البُذاء (بالإنجليزيّة: Coprolalia).
هل يستطيع الشخص كتم العرّات؟
في بعض الأحيان، ينجح الشخص المصاب بمتلازمة توريت في كَتم هذه العرّات لفترة وجيزة؛ إلا أنّ الجهد المبذول شبيه بمحاولة كتم العطسة. ففي نهاية المطاف يصل الضغط إلى الحدّ الذي تتحرّر فيه العرّة من محاولات الكتم. تزداد العرّات سوءًا في المواقف الضاغطة، وغالبًا ما تتحسّن عندما يكون الشخص مسترخيًا أو مندمجًا في عملٍ ما. في أغلب الحالات، تقلّ العرات بشكلٍ ملحوظ أثناء النوم. وغالبًا ما يلجأ الأشخاص إلى أماكن منعزلة لتفريغ العرّات التي تمّ تأجيلها أثناء التواجد في المدرسة أو العمل.
كيف يقوم الشخص الذي يعاني مع اضطراب توريت بإيذاء نفسه؟
تشمل سلوكيّات إيذاء النفس الملحوظة عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب توريت: ضرب الرأس، وكشط الجلد، وعضّ الشفتين، وحتّى لكز العين.
هل يرتبط اضطراب توريت بالتوحّد؟
يفي حوالي (1) من كلّ (5) أطفال يعانون من اضطراب توريت معاييرَ اضطراب طيف التوحّد. تشمل العرّات الشائعة بين الأطفال ذوي التوحّد رمش العين، وحركات الوجه. قد يكون هناك بعض العوامل الجينيّة المشتركة بين التوحّد واضطراب توريت.
ما الذي يسبّب البُذاء؟
البُذاء هو فورة لا إراديّة من البذاءة ونوبات من الألفاظ غير اللائقة. قد يكون سبب هذا الشتائم التي لا يمكن السيطرة عليها لدى الأشخاص المصابين باضطراب توريت هو تلف في اللوزة، وهو الجزء المسؤول في الدماغ عن عمليّات الخوف والغضب.
أسباب متلازمة توريت
على الرغم من أنّ سبب متلازمة توريت غير معروف، تشير الأبحاث إلى وجود تشوّهات في بعض مناطق الدماغ، كالعقد القاعديّة، والفصوص الأماميّة، والقشرة المُخّيّة، والدوائر التي تربط بين هذه المناطق، والناقلات العصبيّة -مثل الدوبامين (Dopamine) والسيروتونين (Serotonin) والنورإبينفرين (Norepinephrine)- المسؤولة عن التواصل بين الخلايا العصبيّة.
حُدّدَت عوامل الخطر الأليليّة (بالإنجليزيّة: Alleles) والمتغيّرات الجينيّة النادرة المسؤولة عن متلازمة توريت، وذلك بناءً على نتائج الدراسات الجينيّة التي أُجريَت على العائلات التي ظهرت فيها اضطرابات العرّات. من المهمّ أن تفهم العائلات أنّ الاستعداد الجينيّ لا يتسبّب بالضرورة في الإصابة باضطراب توريت؛ بل يمكن أن يظهر على شكل اضطراب عرّة أخفّ، أو سلوكيّات وسواسيّة قهريّة. ومن المحتمل أيضًا ألّا تُطوِّر السلالة الحاملة للجين أيًّا من أعراض اضطراب توريت.
كما يؤدّي جنس الفرد دورًا هامًّا في التعبير الجينيّ لمتلازمة توريت. إنّ الذكور المعرّضين لخطر الإصابة هم أكثر ميلًا للإصابة بالعرّات؛ أمّا النساء المعرّضات لخطر الإصابة فهنّ أكثر ميلًا لإظهار عوارض وسواسيّة قهريّة. قد يواجه الأشخاص المصابون باضطراب توريت مخاطر جينيّة في حدوث اضطرابات سلوكيّة عصبيّة أخرى؛ كالاكتئاب وتعاطي الموادّ. يجب أن تتضمّن الاستشارة الجينيّة للأفراد المصابين باضطراب توريت مراجعة كاملة لجميع الحالات الوراثيّة المحتملة داخل الأسرة.
ما هو معدّل انتشار اضطراب توريت؟
يصيب اضطراب توريت حوالي (3) أشخاص من أصل كلّ (1000) في الولايات المتّحدة، مع تسجيل إصابات بين الذكور بقدر مرّتين إلى أربع مرّات أكثر من النساء.
ما هي العوامل الإضافيّة المرتبطة بتطور العرّات؟
تظهر الدراسات ارتباط بعض العوامل، كالمضاعفات لدى الولادة، وعمر الأهل المتقدّم، وانخفاض الوزن مقارنةً بالوزن الطبيعيّ عند الولادة، وتدخين الأم أثناء الحمل، بمدى شدّة العرّات.
علاج متلازمة توريت
على الرغم من غياب علاج تامّ لاضطراب توريت، غالبًا ما تتحسّن حالة الفرد مع نضوجه. وعلى الرغم من كون هذا الاضطراب مزمنًا ولمدى الحياة على وجه العموم، ليس حالة تنكّسيّة.
العلاج الدوائيّ
قلّما يحتاج الشخص المصاب بمتلازمة توريت إلى الدواء؛ لأنّ الأعراض لا تسبّب بخلل لدى غالبيّة المرضى، ويستمرّ النموّ عادةً بشكل طبيعيّ. ومع ذلك، تتوفّر الأدوية لمساعدة الفرد عند تعارض الأعراض مع أدائه الوظيفيّ. لسوء الحظّ، لا يوجد دواء واحد يساعد جميع الأشخاص المصابين باضطراب توريت، ولا دواء قادر على القضاء على جميع أعراضه. عوضًا عن ذلك، لا يمكن للأدوية المتوفّرة إلّا الإسهام في الحدّ من أعراضٍ محدّدة لهذا الاضطراب.
يمكن اللجوء إلى الأدوية المُضادّة للذهان كالهالوبريدول (Haloperidol) والبيموزيد (Pimozide) لعلاج بعض المرضى التي تستدعي حالتهم العلاج الدوائيّ؛ بهدف تقليل تواتر أعراض العرّات وحدّتها. عادةً ما يتمّ إعطاء جرعات صغيرة من هذه الأدوية؛ ومن ثم زيادتها بوتيرة بطيئة؛ إلى أن يتحقّق أفضل توازن ممكن بين الأعراض و الآثار الجانبية. إنّ الآثار الجانبيّة العصبيّة كالارتعاش، وردّات الفعل اللاتوتّريّة (الحركات والوضعيات الالتوائيّة)، والأعراض المشابهة لمرض باركينسون، وغيرها من الأفعال مختلّة الحركة اللاإراديّة أقلّ شيوعًا، ومن الممكن التحكّم بها بسهولة عن طريق خفض الجرعات. أمّا التوقّف عن استخدام العقاقير المضادّة للذهان بعد استخدامها لفترة زمنيّة طويلة، فلا بدّ أن يحدث بشكلٍ تدريجيّ؛ وذلك لتجنّب ارتداد العرّات، وخلل الحركة جرّاء الانسحاب. ومع ذلك، قد تتضمّن الآثار الجانبيّة مجموعة من الأعراض كالتعب، والاكتئاب، والقلق، وزيادة الوزن، وتشوّش في التفكير، والذي عادةً ما يكون أكثرهم تسبّبًا في الضيق.
بإمكان الكلونيدين (Clonidine) و الغوانفاسين (Guanfacine) -عقارَين مضادَّين لارتفاع ضغط الدم- أن يعالجا العرّات أيضًا. إلّا أنّ أثرهما الجانبيّ الأكثر شيوعًا والمتمثّل بالخدر يحول دون استخدامهما. كما ينتج عن استخدام الكلونيدين مجموعة من الآثار الجانبيّة، وأكثرها شيوعًا: التعب، وجفاف الحلق، والتهيّج، والدوخة، والصداع، والأرق. قد يُوصَف أيضًا الفلوفينازين (Fluphenazine) وكلونازيبام (Clonazepam) للتحكّم في عوارض العرّات.
تتوفّر أيضًا أدوية فعّالة لعلاج بعض من الاضطرابات السلوكيّة المرافقة لاضطراب توريت. فصُنّفَت المنشّطات كالميثيلفينيدات (Methylphenidate) والديكسترامفيتامين (Dextroamphetamine)، والتي تُوصَف عادةً لاضطرابات تشتّت الانتباه وفرط الحركة، على أنّها فعّالة دون تسبُّبها بزيادة في حدة العرّات. أمّا الفلوكستين (Fluoxetine) أو كلوميبرامين (Clomipramine) أو سيرترالين (Sertraline) أو باروكسيتين (Paroxetine) فيمكن وصفها للسلوكيّات الوسواسيّة القهريّة التي تعيق الأداء الوظيفيّ اليوميّ بشكلٍ ملحوظ.
العلاج النفسيّ
يمكن للعلاج النفسيّ أن يكون مفيدًا. على الرغم من أنّ المشاكل النفسيّة لا تسبّب اضطراب توريت؛ يمكن للعلاج النفسيّ أن يساعد الفرد على التعامل بشكلٍ أفضل مع الاضطراب، والمشاكل الثانويّة -أيًّا كانت اجتماعيّة أو عاطفيّة- والتي من الممكن حدوثها في بعض الأحيان. لكنّ العلاج النفسيّ لن يساعد على كتم العرّات. أظهرت علاجات سلوكيّة خاصّة تشمل تدريبًا على الوعي والاستجابة التنافسيّة، كالتحرّك الإراديّ استجابةً إلى إلحاح مُرتقب، فعّاليّةً في تجارب صغيرة خاضعة للرقابة.
قد تساهم تقنيّات الاسترخاء والتغذية الراجعة الحيويّة في تهدئة التوتّر الذي بإمكانه أن يؤدّي إلى زيادة أعراض العرّات.
التعليم
على الرغم من أنّ الطلاب الذين يعانون من متلازمة توريت غالبًا ما يؤدّون واجباتهم جيّدًا في صفوفهم الدراسيّة، قد يُظهِر بعضهم صعوبات تعلّميّة. حين يتعارض اضطراب تشتّت الانتباه وفرط الحركة، واضطراب الوسواس القهريّ، والعرّات المتكرّرة مع الأداء الأكاديميّ أو التوافق الاجتماعيّ، يجب وضع الطلّاب في بيئة تعليميّة تلبّي احتياجاتهم الفرديّة. قد يحتاج هؤلاء إلى إشراف فرديّ، أو صفوف صغيرة أو خاصّة. وفي بعض الحالات يستدعي الأمر وضعهم في مدارس خاصّة.
يحتاج جميع التلاميذ الذين يعانون من متلازمة توريت إلى بيئة متسامحة ورحيمة؛ وذلك لتشجيعهم على العمل بكامل طاقتهم، وتوفير قدر كافٍ من المرونة لتلبية احتياجاتهم الخاصّة. قد تتضمّن هذه البيئة أماكن دراسيّة خاصّة بهم، أو امتحانات استثنائيّة خارج الصفوف الدراسيّة، أو اختبارات غير محدّدة الوقت، أو حتّى امتحانات شفهيّة إذا ما تعارضت أعراض الطفل مع قدرته على الكتابة.
هل تقلّ العرّات مع التقدّم في العمر؟
تميل العرّات إلى التلاشي مع التقدّم بالعمر، إلى الحدّ الذي يسمح لبعض المرضى بالتوقّف عن العلاج الدوائيّ. في بعض الحالات، تحدث هدأة كاملة بعد سنّ المراهقة. بالرغم من أنّ أعراض العرّات تقلّ مع العمر، من المحتمل استمرار الاضطرابات السلوكيّة العصبيّة كالاكتئاب، ونوبات الهلع، والتقلّبات المزاجيّة، والسلوكيّات المعادية للمجتمع، مسبّبةً خللًا في حياته كراشد.
التعليقات مغلقة.