الاضطراب الفيتشي (الفيتشيَّة): أعراض، وأسباب، وعلاج

الاضطراب الفيتشيّ (بالإنجليزية: Fetishistic Disorder)، ويُعرف أيضًا باسم الفيتشيَّة (بالإنجليزية: Fetishism) أو التَّمائمِيَّة، هو انجذاب جنسي شديد إمّا لأغراض جامدة، أو لأجزاء من الجسد لا يُنظر إليها تقليديًّا على أنّها جنسيّة، ويكون ذلك مقرونًا بضيق أو خلَل سريريّ ملحوظ.

وفقًا للدّليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة:  Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، واختصاره: DSM-5)، الاضطراب الفيتشيّ هو حالة يوجد فيها استخدام أو اعتماد مُستمر ومُتكرّر، على أغراض غير حيّة (مثل: الملابس الداخلية، أو الأحذية ذات الكعب العالي)، أو يكون هناك تركيز مُحدّد للغاية على جزء من الجسد (غالبًا غير تناسليّ، مثل: القدمين)، من أجل الوصول إلى الإثارة الجنسيّة.

نظرًا لأنّ الفيتِش (بالإنجليزية: Fetish) يحدث عند العديد من الأفراد الذين يرتقون بشكلٍ طبيعيّ، لا يتمّ التشخيص بالاضطراب الفيتشيّ إلّا إذا كان هناك ضيق شخصيّ مُصاحِب، أو خلَل في الأداء الاجتماعيّ أو المهنيّ، أو في المجالات المهمّة الأخرى نتيجةً له، أو عندما تكون الإثارة الجنسيّة مستحيلة من دون وجود الفيتِش.  كما أن الأشخاص الذين يَعلَمون أنّهم فيتشيّون (بالإنجليزية: Fetishists)، لكنّهم لا يُبلغون عن خَلَل سريريّ مُرتبط، يتمّ اعتبارهم على أنهم لديهم فيتِش، ولكنهم ليسوا مُصابين بالاضطراب الفيتشيّ. يشعر مُعظم الأفراد بالانجذاب نحو ملامح جسديّة غير تناسليّة مُعيّنة، ممّا يُشير إلى أنّ مستوى معيّن من الفيتشيّة هي سِمة طبيعيّة لجنسانيّة الإنسان. 

نشأ مصطلح “الفيتشيّة” من الكلمة البُرتغالية (feitico)، والتي تعني “الافتتان الهَوَسيّ”. حيث أنّه فقط من خلال استخدام هذا الغَرَض، أو التركيز على هذا الجزء من الجسد، يمكن للشخص أن يحصل على الإشباع الجنسيّ.

بالنسبة للبعض، فإنّ مجرد صورة للغَرَض الفيتِش، قد تسبب الإثارة، إلّا أنّ الكثيرين ممّن لديهم فيتِش يُفضّلون (أو يحتاجون إلى) وجود الشيء الفعليّ لتحقيق الإثارة. يقوم الفيتشيّون عادةً بإمساك، أو فرك، أو تذوّق، أو شمّ الغَرَض الفيتِشي من أجل الإشباع الجنسيّ، أو يطلبون من شريكهم ارتداء الغَرَض أثناء اللقاءات الجنسيّة.

يمكن تصنيف أغراض الفيتِش الجامِدة إلى نوعين: فيتِش الشكل وفيتِش الوَسَط. في فيتِش الشكل، يكون شكل الغَرَض هو المُهم، مثل: الأحذية ذات الكعب العالي. في فيتِش الوَسَط، تكون مادّة الغَرَض، كالحرير أو الجلد، ذات الأهميّة. غالبًا ما يُراكم فيتشيّو الأغراض الجامدة الأشياء التي يحبّذونها.  

الاضطراب الفيتشيّ هو أكثر شيوعًا عند الذكور منه عند الإناث – في الواقع، يشير الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة إلى أنّ الاضطراب يظهر بشكل حصريّ تقريبًا عند الذكور.

في الإصدارات السابقة من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسية، كان الاضطراب الفيتشيّ الذي يتمحوَر حول أجزاء الجسد غير التناسلية يُعرف باسم وَلَع الجزء (بالانجليزيّة:partialism )؛ في الإصدار الأخير، تمّ دمج وَلَع الجزء مع الاضطراب الفيتشي.

ما هي أعراض الاضطراب الفيتشي؟

تتّسم الأفعال الجنسيّة للأشخاص المُصابين بالاضطراب الفيتشيّ بالتركيز الحصريّ تقريبًا على غَرَض أو جزء الجسد الفيتشي. في كثير من الحالات، لا يُمكن للشخص المُصاب بالاضطراب الفيتشيّ أن يُصبح مُثار جنسيًا وأن يصل إلى النشوة إلّا عندما يتمّ استخدام الفيتِش، مع الشعور غالبًا بالعار أو الضيق الشديد اتجاه عدم قدرته على الإثارة باستخدام المُحَفّزات “النمطيّة”. في حالات أخرى، قد تحدث الاستجابة الجنسيّة بدون الفيتِش، ولكن بمستوى مُتضائل، مما قد يسبب شعور العار أو توتر في العلاقة.

البالغين النشطين جنسيًا غير المصابين بالاضطراب الفيتشيّ- أو البالغين الذين لديهم فيتِش معيّن لا يسبب لهم أيّ ضيق- قد يُثارون من خلال جزء مُحدد من الجسد أو من خلال غَرضٍ ما، ويجعلونه جزءًا من تفاعلهم الجنسيّ مع شخص آخر، ولكنهم لا يرتكزون عليه.

تتضمّن المعايير التشخيصية للاضطراب الفيتشيّ، كما هو مُفَهرس في الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة، ما يلي:

  • لفترة لا تقل عن ستة أشهر، يكون لدى الشخص تخيلات، أو إلحاحات، أو سلوكيات مُثيرة جنسيًا، بشكل متكرر ومُكثف، تتضمن أغراض غير حيّة (مثل: الملابس الداخلية النسائية والأحذية)، أو لدى الشخص تركيز محدّد للغاية على جزء غير تناسليّ من الجسد.
  • تُسبب التخيلات، أو الإلحاحات الجنسيّة، أو السلوكيات، ضيقًا ملحوظًا أو خللًا في الأداء الاجتماعيّ، أو المهنيّ، أو الشخصيّ.
  • إنّ الأغراض الفيتشيّة ليست ملابس تُستخدم للارتداء من قِبَل الجنس الآخر، وليست مُصمّمة للتحفيز الحسّي للأعضاء التناسلية، مثل الهزّاز.

يمكن أن يتقلّب الاضطراب الفيتشيّ في شدّته طوال الحياة.

ما هي أكثر أنواع الفيتِش شيوعًا؟

تشير الأبحاث إلى أنّ أيّ شيء تقريبًا يمكن أن يكون الغَرَض الفيتِشي. أجزاء الجسد الفيتِشية الأكثر انتشارًا هي: القدمين، واليدين، والشعر، والسمنة، والأوشام، والثقوب. أما الأغراض الفيتِشية الأكثر انتشارًا فهي: الأحذية، والقفازات، والملابس الداخلية (المتسخة)، والجلود، والمطاط، والتنانير، وارتداء الحفاضات.

متى يكون الفيتش غير صحّي؟

الفيتِش الجنسي ليس ضارًّا من حيث التعريف، لكن يُمكن اعتباره اضطراب فيتشيّ إذا تسبب في ضيقٍ شديد وطويل الأمد عند الشخص. يمكن للاضطراب الفيتشيّ أن يجعل الشخص يشعر وكأنه لم يعد يتحكم في حياته. الرجل الذي يُدْخِل الفيتش في علاقته الرومانسية مع شريك متراضي لا يُظهر بالضرورة سلوكًا غير صحيًّا. لكن إذا استُنفِدَ الرجل بالفيتِش لدرجة أن لا يعد منجذب جنسيًّا إلى شريكه، ولا يمكن أن يُثار إلّا من خلال غَرَض الفيتش، فمن المحتمل أن يكون ذلك علامة على فيتش غير صحيّ.

هل لدى الناس عادةً أكثر من فيتِش واحد؟

تشير الأبحاث المحدودة إلى أنه غالبًا ما يكون لدى الأفراد أكثر من فيتش واحد. وجدت إحدى الدراسات الصغيرة أنه من بين 48 فردًا مصابًا بالاضطراب الفيتشيّ، كان لدى 17 منهم فيتش واحد فقط، و 9 لديهم اثنان، و 12 لديهم ثلاثة، و6 لديهم أربعة، وآخرين لديهم ما يصل إلى تسعة.

في أي عمر يتطور الفيتش الجنسي عادة؟

يظهر الفيتش عادة للفرد أثناء أو حتى قبل مرحلة البلوغ. يتطور الفيتش الجنسيّ بشكل حصري تقريبًا عند الذكور.

ما نسبة انتشار الاضطراب الفيتشيّ؟

في حين تشير التقديرات إلى أنّ ما يصل إلى 10 في المائة من السكان قد يكون لديهم نوع من الفيتش، إلّا أنّه يبدو الاضطراب الفيتشي نادر الحدوث، حيث يتلقى أقل من 1 في المائة من السكان الرعاية النفسية لهذه الحالة.

ما هي أسباب الاضطراب الفيتشي؟ّ

تبدأ عادةً الشذوذات الجنسيّة (بالانجليزية: Paraphilias)، مثل الاضطراب الفيتشيّ، خلال مرحلة البلوغ، ولكن يمكن للفيتِش أن يتطوّر عند الأفراد قبل مرحلة المراهقة. لم يتم تحديد سبب للاضطراب الفيتشيّ بشكل قاطع.

تتضمّن بعض النظريّات الأسباب التالية؛ تجارب الطفولة، والعوامل البيولوجيّة، كالارتقاء غير الطبيعيّ للدماغ، والعوامل الثقافيّة، حيث أظهرت الدراسات مُعدّلات مختلفة من الفيتشيّة بين الثقافات التي تتناول موضوع الجنسانيّة بشكل مختلف عن بعضها البعض.

هل هناك أسباب عصبية للفيتشيّة؟

إنّ إحدى الاقتراحات العصبية حول سبب فيتِش الأقدام تأتي من حقيقة أن منطقة الدماغ التي تُعالج المعلومات الحسيّة للقدمين مجاورة للمنطقة التي تُعالج المعلومات الحسيّة للأعضاء التناسلية. هذه الفكرة، التي قدّمها طبيب الأعصاب فيلايانور راماشاندران، تطرح فرضيّة أنه قد يكون هناك تداخل بين الإشارات العصبيّة بين منطقتَيْ الدماغ. أجزاء الجسد التي تكون منطقة تمثيلُها القِشْري بعيدًا عن منطقة تمثيل الأعضاء التناسليّة هي أقل عرضة لأنّ تكون فيتش، حيث أنّ القدم هي أكثر الفيتش شيوعًا. 

هل يمكن أن تكون الفيتشية نتيجة تجارب في مرحلة الطفولة؟

يعتقد بعض علماء النفس النظريّون أنّ الفيتيشية تتطور نتيجة تجارب مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تمّ ربط الغَرَض بالإثارة الجنسية أو الإشباع القويّ على نحوٍ خاصّ. يركّز عُلماء نظريّة التعلّم الآخرون على مرحلة الطفولة اللاحقة، ومرحلة المراهقة، والتشريط المرتبط بالاستمناء والبلوغ.

تشير نماذج التعلّم السلوكي إلى أنّ الطفل الذي يكون ضحية أو مُشاهِد لسلوكيات جنسية غير لائقة قد يتعلم تقليد السلوك أو تعزيزه لاحقًا. أمّا نماذج التعويض، فتشير إلى أن هؤلاء الأفراد قد يكونون محرومين من اتصالات جنسية عادية اجتماعيًّا، وبالتالي يسعون إلى الإشباع من خلال طُرُق أقل قبولًا اجتماعيًا.

ما هو علاج الاضطراب الفيتشيّ؟

إنّ التخيلات الفيتشيّة شائعة وغير ضارّة في كثير من الحالات. وفقًا لتعريف الدّليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات النفسيّة، يجب أن يتم التعامل مع التخيلات الفيتشيّة على أنها اضطراب فقط عندما تتسبب في ضيق أو تخلّ قدرة الشخص على الأداء بشكل طبيعي في الحياة اليومية.

في حين أنّه يمكن لعدد من العلاجات القائمة على العلاج النفسي والعلاجات القائمة على الأدوية أن تساعد في السيطرة على أعراض الاضطراب الفيتشيّ، يجب أن يعلم الأشخاص المرضى أنه قد أُظْهر تاريخيًّا تقييد في الدرجة التي يمكن للعلاج النفسيّ، أو الدواء،  أو الجمع بين الاثنين، أن يساعد. تعالج هذه العلاجات عادةً الأعراض –القَلَق، والعار، ومشاكل العلاقات– التي تأتي بالمريض للعلاج، ولكنّ العديد من الأشخاص الذين لديهم فيتِش قد يحتفظون بالرغبة اتجاه الفيتِش على المدى الطويل. النتيجة الأساسية لمُختلف العلاجات هي مساعدة الشخص المُصاب على التأقلم بشكل أفضل. 

يميل الاضطراب الفيتشيّ إلى التقلّب في الشدّة والتواتر للإلحاحات أو السلوكيّات على مدار حياة الفرد. نتيجة لذلك، يكون العلاج الفعّال طويل الأمد عادةً. على نحو متزايد، تشير الدلائل إلى أن الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج السلوكي المعرفي  (بالإنجليزية: Cognitive Behavioral Therapy) يمكن أن يكون فعّالًا، على الرغم من أنّ الأبحاث حول نتيجة هذه العلاجات تبقى غير حاسمة، مما يسمح للمريض بالتركيز على الاستشارة النفسيّة مع عوائق أقل.

إنّ مستوى الدافع الجنسي غير مرتبط بسلوك الأشخاص المصابين بالاضطراب الفيتشيّ بشكل ثابت، كما أن المستويات العالية من هرمون التستوستيرون في الدوَران  (بالإنجليزية: Circulating Testosterone)، لا تجعل الذكر عُرضةً للإصابة بالشذوذ الجنسيّ. ومع ذلك، فإن الهرمونات مثل: ميدروكسي بروجستيرون أسيتات (medroxyprogesterone acetate)،  وسيبروتيرون أسيتات (cyproterone acetate)،  تُساعد في تقليل مستوى التستوستيرون الجائل في الدوَران الدموي؛ مما قد يقلّل الدافع الجنسي والعدوانيّة، وفي حالة الأشخاص المصابين بالاضطراب الفيتشيّ، يُحتمل أن يؤدي إلى التقليل من تواتر الانتصاب، والتخيلات الجنسية، والبدء في السلوكيات الجنسيّة بما فيها الاستمناء والجماع.

قد تكون النماذج السلوكية المعرفيّة للعلاج فعّالة في علاج الأشخاص المصابين بالاضطرابات الشاذّة جنسيّا. وهي تتضمن إثارة الحساسية (بالإنجليزية: Sensitization)، والتشريط بالنُّفور (بالإنجليزية: Aversive Conditioning)، وإعادة التشريط  (بالإنجليزية: Reconditioning). تُركّز تقنيات إعادة التشريط على ارتجاع مُباشر يُعطى للشخص المُصاب حتى يُغيّر السلوك فورًا. على سبيل المثال، قد يكون الشخص متّصلاً بجهاز ارتجاع بيولوجي (بالانجليزية: biofeedback) موصول بضوء، ويتمّ تعليمه تقنيات التنظيم الذاتي التي سوف تُحافظ على الضوء ضمن نطاق معين من الألوان، ثم يتمرّن على ذلك أثناء تعرّضه لمواد مُحفّزة جنسيًّا. قد يركز التدريب على الاستمناء على فصل متعة الاستمناء والذروة عن السلوك المنحرف. 

هل يمكن علاج الاضطراب الفيتشيّ بالأدوية؟

يمكن لفئة من الأدوية، تسمى مضادات الأندروجين (بالإنجليزية: Antiandrogens)، أن تُخفض مستويات هرمون التستوستيرون مؤقتًا، وقد تمّ استخدامها جنبًا إلى جنب مع أشكال أخرى من علاجات الاضطراب الفيتشيّ. يقلل هذا الدواء الدافع الجنسي لدى الذكور، وبالتالي يمكن أن يقلل من تواتر الصُوَر الذهنيّة  المُثيرة جنسيًّا. مضادّات الاكتئاب (بالإنجليزية: Antidepressants)، مثل فلوكستين (Fluoxetine)، قد تقلل أيضًا الدافع الجنسي، ولكنها لم تُبيّن أنها تستهدف التخيلات الجنسية نفسها بشكل فعّال. تُستخدم الهرمونات عادةً بالتزامن مع العلاجات السلوكية والمعرفية.

هل يمكن علاج الاضطراب الفيتشيّ بالعلاج النفسي؟

تتضمن بعض العلاجات النفسية للاضطراب الفيتشي التشريط بالنُّفور وإثارة الحساسية. تستلزم إثارة الحساسية المُضْمَرة على الشخص المُصاب أن يسترخي ويتخيّل مشاهد من السلوك المنحرف، يلي ذلك تخيّله لحدث سلبي.

نهج آخر، يُعرف باسم التشريط بالنُّفور مع وجود مُساعدة، يشبه إثارة الحساسية المُضْمَرة، ولكنه مُضخَّم، حيث يكون الحدث السلبي حقيقيّ (على سبيل المثال، يقوم المُعالج بضخّ رائحة كريهة في الهواء). في كِلا العلاجين، الهدف هو أن يربط المريض السلوك المنحرف بالحدث السلبي (أي إمّا الحدث المُتخيَّل، أو المُدْخَل الجديد، مثل: الرائحة).

المصادر+

فريق الاعداد
ترجمة: علا نصر
مراجعة علمية: نازك هاشم
تحرير: إسلام سامي

التعليقات مغلقة.