الفاجعة: أعراض، وأسباب، وعلاج
الفاجعة (بالإنجليزيّة: Bereavement) -ويُشار إليها أيضًا بالفجيعة، أو الحرمان، أو الفقد- هي الفترة التالية لفقدان شخص عزيز؛ يحلّ فيها الحزن (بالإنجليزيّة: Grief) والحداد (بالإنجليزيّة: Mourning). يتوقّف الوقت الممضيّ خلال فترة الفاجعة على مدى ارتباط الشخص المفجوع بالمتوفّى، والمدّة التي أمضاها في توقّع حدوث الوفاة.
تتفاوت استجابات الناس للحزن رهنًا بالظروف المحيطة بالموت؛ غير أنّ الحزن استجابة طبيعيّة وصحّيّة للخسارة. يمكن لمشاعر الفاجعة مصاحَبة خسائر أخرى مثل: تدهور صحّة الشخص المفجوع، أو صحّة شخص يهتمّ لأمره، أو انتهاء علاقة هامّة.
أعراض الفاجعة
قد تلي الخسارةَ عواطف كثيرة ومربِكة. يمكن أن يعاني الشخص المفجوع (الذي فقد شخصًا عزيزًا) من نوبات بكاء، أو صعوبة في النوم، أو تغيّرات في الشهيّة، أو انخفاض في إنتاجيّة العمل. في البداية، يمكن أن تجد صعوبة في تقبّل أنّ الخسارة قد حدثت بالفعل. ويمكن لمشاعر الغضب الظهور أيضًا، موجَّهةً نحو الأطباء، أو الممرّضين، أو الإله، أو أشخاص أعزّاء آخرين، أو نفسك، أو حتّى المُتوفّى. قد تشعر بمشاعر من الذنب مصحوبة بأحاسيس مختلفة، مثل: «لقد كان من المفترض أن أقوم…»، أو «لقد كنت أستطيع…» أو «أتمنى لو قمت…».
يمكن أن تكون مشاعرك شديدة، ومزاجك متقلّبًا؛ كلّها ردود أفعال طبيعيّة تجاه الخسارة. تختلف ردود الأفعال تجاه الخسارة، ومنها ردود الأفعال العقليّة (الغضب، والذنب، والقلق، والحزن، واليأس)، والجسديّة (مشاكل في النوم، وتغيّرًا في الشهيّة)، والاجتماعيّة (صعوبة في رؤية الأهل والأصدقاء، أو العودة للعمل).
لا يحدث التعافي خلال مدّة زمنيّة محدّدة. تظهر أعراض الحزن العاديً بشكل أقلّ، وتخفّ حدّتها مع مرور الوقت. غالبًا ما تخفّ أعراض الحزن العاديّ خلال مدّة تتراوح بين (6) أشهر وسنتين تلي الخسارة.
هل الفاجعة اضطراب؟
من الطبيعيّ الشعور بحزن عميق بعد خسارة شخص عزيز، وأعراض مثل الأرق وانخفاض الشهيّة. يطلق الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، ويُختصَر: DSM-5) على هذا الشعور الفقد غير المعقّد (بالإنجليزيّة: Uncomplicated Bereavement)، ويصفه على أنّه موضوع يمكن أن يكون مركز اهتمام سريريّ.
كما يقترح الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس اضطراب الفاجعة المعقّد والدائم (بالإنجليزيّة: Persistent Complex Bereavement Disorder) كحالة تحتاج للمزيد من الأبحاث. يصف هذا الاضطراب الأشخاص الذين يعانون من أعراض مؤلمة من الفاجعة مثل الاشتياق الدائم، والأسى الشديد، والانشغال بالخسارة لأكثر من سنة بعد وفاة الشخص العزيز.
هل يمرّ الجميع بمراحل معيّنة من الحزن؟
وزّعت الطبيبة النفسيّة «إليزابيث كوبلر-روس» الحزن على (5) مراحل هي:
في الواقع، وُضِع هذا النموذج أساسًا ليصوّر الأشخاص الذين يتصالحون مع أمراض العضال التي يعانون منها؛ غير أنّه انتشر ليصف كلّ أشكال الخسارة. أظهرت الأبحاث اللاحقة أنّ الأشخاص يحزنون بطرق مختلفة ومتنوّعة؛ إذ ليس هناك طريقة واحدة أو «صحيحة» للحزن.
أسباب الفاجعة
دائمًا ما يكون موت شخص عزيز دائمًا ما يكون شاقًّا، وخاصّة عندما يكون مفاجئًا أو نتيجة حادث ما. سوف يتأثّر ردّ فعلك تجاه الخسارة جزئيًّا بالظروف المحيطة بك، علاقتك بالمتوفّى.
خسارة فرد من العائلة
خسارة شريك الحياة
يمكن لخسارة شريك الحياة (الزوج أو الزوجة) أن تفرض تحدّيًا؛ إذ يمكن للشريك الذي مازال على قيد الحياة الاضطرار إلى التعامل مع عدد من القرارات بخصوص ترتيبات الجنازة، والأمور الماليّة، وإجراءات قانونيّة أخرى، في وقت يبدو الأسوأ للتعامل مع مثل هذه المسائل. قد يضطرّ الشريك المفجوع أن يشرح الموت لأطفاله، ويساعدهم خلال فترة حزنهم.
بالإضافة إلى الصدمة العاطفيّة الشديدة، يمكن لوفاة الشريك أن تؤدّي إلى مشاكل ماليّة، خاصّة إذا كان الشريك المتوفّى هو المصدر الرئيسيّ لدخل الأسرة.
وتُعَدّ العودة إلى سوق العمل أو الدخول إليه لأوّل مرة من أصعب المهامّ التي على الشريك المفجوع حديثًا تأديتها.
خسارة الأبناء
لوفاة الإبن -بغضّ النظر عن عمره أو سبب الوفاة- تأثير مدمّر عاطفيًّا، يمكنه قَهر الوالدين. يثير موت الإبن إحساسًا قاهرًا بالظلم، وذلك لإمكانيّات الابن المفقودة، والأحلام غير المحقّقة. قد يشعر الوالدان حتّى بأنّهم مسؤولون عن وفاة الإبن. قد يشعران أيضًا بخسارة جزء جوهريّ من هويّتهم.
خسارة الأهل
يمكن لوفاة الوالد أو الوالدة أن يكون تأثيره عميقًا، أيًّا كان عمر الشخص عند حدوث الوفاة. من الطبيعيّ أن تشعر مستهلكًا بمزيج من الألم، والخوف، والحزن العميق جرّاء خسارة بهذه الأهمّيّة.
أمّا كيفيّة الحزن فتتوقّف تفاصيلها على عدد من العوامل الشخصيّة التي تتضمّن: علاقة الشخص مع الوالد أو الوالدة، والمعتقدات الدينيّة، والخبرات السابقة مع الموت، وإيمان الشخص من عدمه في أنّ الوقت قد حان لموت الوالد أو الوالدة.
يمكن لخسارة أحد الوالدين أن تعني خسارة صديق العمر، والمستشار، ومقدّم النصيحة. وبالتالي، قد يشعر الشخص المفجوع فجأةً بالوحدة الشديدة، وإن قدّم أفراد العائلة والأصدقاء دعمهم.
بعد تلاشي الصدمة الأولى، سوف يشعر الشخص بما يُسمّى الخسارة الثانية. ويحدث ذلك عندما يبدأ في التفكير في كلّ الأحداث القادمة التي لن يشاركه فيها أحد الوالدين، كالإنجازات المهنيّة، ومشاهدة حفيدهم وهو ينمو. أمّا إذا كان الشخص المفجوع كبيرًا في السن، فيمكن لوفاة أحد الوالدين أن تتسبّب له بمشاكل تتعلّق بحياته واستمرارها.
الخسارة نتيجة الانتحار
يمكن للانتحار أن يتسبّب حزنًا شديدًا لدى الوالدين، وشركاء الحياة، والأطفال، والأشقّاء، والأقارب، والأصدقاء، وغيرهم. ويمكن أن يكون التعامل مع الفاجعة بعد الانتحار أكثر صعوبة من التعامل مع الخسائر الأخرى؛ بسبب مشاعر العار، والذنب، والرفض. كما يمكن للوصمة المرتبطة بالانتحار في بعض الثقافات أن تفاقم إحساس الشخص المفجوع بالعزلة و الضعف.
خسارة الحيوان الأليف
تقدّم الحيونات الحيوانات الرفقة، والقبول، والدعم العاطفيّ. عندما يموت حيوان أليف عزيز على الشخص، ليس من الغريب أن يشعر الشخص بأسى شديد يستحوذ عليه. قد يجد الآخرون صعوبة في فهم ردّ الفعل هذا؛ لاعتبارهم أنّ الخسارة طالت «مجرّد» حيوان أليف، ما قد يجعلهم أقلّ تفهّمًا لهذا الحزن. ومع ذلك، إنّ خسارة حيوان أليف جسيمة، وعلى الشخص السماح لنفسه بالحداد عليه.
الحزن المرتقب
عندما يكون موت الشخص متوقَّعًا، يمكن للأشخاص المقرّبين منه أن يعانوا من الحزن المرتقب (بالإنجليزيّة: Anticipatory Grief). على غرار الحزن الذي يلي موتَ شخص عزيز، ينطوي الحزن المرتقب على استجابات نفسيّة، وعاطفيّة، وثقافيّة، واجتماعيّة. ومن أعراض الحزن المرتقب: الاكتئاب، وانشغالًا متزايدًا بالشخص المحتضر، والتأهّب العاطفيّ لوفاته.
مع ذلك، يمنح الحزن المرتقب الأشخاص المقرّبين وقتًا لتعتاد على حقيقة الخسارة الوشيكة. كما يسنح لهم الوقت لاستكمال «الأعمال غير المنتهية» مع الشخص المحتضر، كأن يعبّروا عن مشاعرهم التي لم تتح لهم فرصة التعبير عنها في السابق (الوداع، الحبّ، السماح، إلخ).
تجدر الإشارة إلى أنّه ليس من الضروريّ أن يشعر الشخص بنفس درجة الحزن قبل وفاة الشخص المحتضر وبعدها. كما أنّ الشعور بالحزن قبل وفاة الشخص المحتضر لا يسهّل الحزن بعد وفاته، أو يقلّل مدّتها.
ما هي أنواع الخسارات التي يحزن عليها الأشخاص؟
بشكل عامّ، تعيد الفاجعة إلى الذاكرة وفاة شخص عزيز؛ لكن يمكن للأشخاص الحزن لأسباب مختلفة. تتضمّن مصادر الحزن التي غالبًا ما يتمّ التغاضي عنها خسارةَ ما يلي:
- الهويّة عن طريق الطلاق أو خسارة الوظيفة.
- الأمان عن طريق الصدمة، أو العنف، أو عدم الاستقرار.
- الاستقلال عن طريق المرض، أو الشيخوخة، أو الضيق الماليّ.
- الأحلام أو التوقّعات، كالتعامل مع العقم.
ما الفرق بين الفاجعة والاكتئاب؟
يمكن أن يبدو الفاجعة والاكتئاب متشابهَين؛ إذ يمكن للأشخاص في كلتا الحالتين أن يعانوا من حزن عميق، وأن يواجهوا صعوبة في النوم، وتناول الطعام، وإيجاد البهجة في الحياة. لكنّ الفاجعة تختلف عن الاكتئاب، ومن هذه الاختلافات:
- غالبًا ما تنطوي الفاجعة على الانشغال بالخسارة، والعجز عن قبول الخسارة؛ في حين أنّ الاكتئاب غالبًا ما ينطوي على مشاعر من اليأس، والذنب، والأفكار الانتحاريّة.
- غالبًا ما تؤدّي الفاجعة إلى تكاتُف الجماعة، وتقديم الدعم بعد الخسارة؛ أمّا الاكتئاب فغالبًا ما يشتمل على العزلة والانفصال عن العالم.
علاج الفاجعة
الحزن مؤلم ومرهق. لا يحزن الشخص المفجوع على المتوفّى وحسب؛ إنّما يحزن أيضًا على الآمال والخطط غير المحقّقة سويًّا. على الرغم من أنّ إخفاء الألم يبدو أكثر سهولةً من مواجهته، يمكن للحزن المعلّق أن يؤدّي إلى أمراض جسديّة أو نفسيّة بعيدة المدى. يمكن لتعامُل الشخص المفجوع مع حزنه، والسماح لنفسه بالتعبير عن مشاعر المساعدة على تعافيه. إذا كنت تواجه صعوبة في التعامل مع الخسارة، من المهمّ السعي للحصول على المساعدة المختصّة. غالبًا ما يستطيع طبيب العائلة تقديم المساعدة؛ غير أنّ الأمر قد يتطلّب الإرشاد أو العلاج.
يمكن للإرشاد -ويكون فرديًّا أو جماعيًّا- مساعدة الشخص الذي يعاني من الحزن العاديّ على التعامل مع حزنه. ومن أهداف الإرشاد في حالات الحزن العاديّ:
- وصف الحزن العاديّ، و تشجيع الشخص المفجوع على قبوله عن طريق التحدّث عنه.
- تحديد الشخص المفجوع لعواطفه المرتبطة بالخسارة والتعبير عنها، مثل: الغضب، والذنب، والقلق، وقلّة الحيلة، والعجز.
- مساعدة الشخص المفجوع على العيش باستقلاليّة.
- مساعدة الشخص المفجوع على فهم طرقه في التعامل مع الخسارة.
- تحديد الشخص المفجوع للصعوبات التي قد يواجهها في التعامل مع الخسارة.
- تقديم الدعم للشخص المفجوع في أوقات هامّة، مثل: أعياد الميلاد، واحتفالات الذكريات السنويّة.
إذا استمرّت أعراض الحزن لفترة أطول من الفترة النموذجيّة -أو على العكس، إذا كانت الأعراض قليلة أو معدومة- قد يكون الشخص المفجوع يعاني ممّا يُسمّى الحزن المعقّد (بالإنجليزيّة: Complicated Grief). يمكن للعلاج النفسيّ أن يكون مفيدًا في مثل هذه الحالات،لا سيّما العلاج المعرفيّ السلوكيّ (بالإنجليزيّة: Cognitive Behavioral Therapy، ويُختصَر: CBT)، وعلاج الحزن المعقّد (بالإنجليزيّة: Complicated Grief Treatment، ويُختصَر: CGT). يركّز العلاج المعرفيّ السلوكيّ على تغيير أنماط التفكير لدى الشخص المفجوع بهدف تغيير استجاباتهم للمواقف الصعبة، ويُطبَّق في حالات كثيرة من مشاكل الصحّة النفسيّة. أمّا علاج الحزن المعقّد فينطوي على التحدّث حول الخسارة، وتحديد أهداف التعافي، والخطط للمستقبل.
تحدّد جمعيّة علم النفس الأمريكيّة (بالإنجليزيّة: American Psychological Association) عددًا من الإجراءات يمكن للشخص المفجوع اتّخاذها، وحده أو بمشاركة الأشخاص المقرّبين، من شأنها أن تساعده على التعامل. ومن هذه الإجراءات:
- تحدُّث الشخص المفجوع حول الخسارة مع الآخرين.
- قبول الشخص المفجوع لمشاعره المصاحبة للخسارة.
- اهتمام الشخص المفجوع بصحّته، والأكل جيّدًا.
- إحياء ذكرى المتوفّى.
كيف يمكنك تقديم الدعم لشخص عزيز مفجوع؟
- الإصغاء، وطرح الأسئلة، ومشاركة الذكريات المتعلّقة بالمتوفّى.
- تقديم المساعدة العمليّة، مثل الطبخ أو رعاية الأبناء.
- دعم الشخص وهو يُدمِج التجارب في هويّته، عوضًا عن تشجيعه على البحث عن إحساس بخاتمة للحدث.
ما هي الدروس التي يميل الأشخاص إلى تعلّمها من الحزن؟
لا شكّ أنّ الفاجعة شديدة الصعوبة؛ إلّا أنّ الأشخاص يبلغون أحيانًا عن بعض الدروس المستفادة من الحزن، ومنها:
- الحزن عمليّة طبيعيّة، وضروريّة، وصحّيّة.
- يبني الاحتفاء بما فُقِد وتبديله المرونة.
- توضّح الخسارة قيمة الحياة.
- تجعل الخسارة الأشخاص أكثر لطفًا، ومحبًّا، ورأفة.
التعليقات مغلقة.