اضطراب الرّهاب النوعيّ: تعريفٌ، وأسبابٌ، وعلاجٌ

الرهاب المُحدَّد، (ويُسمى أيضًا الرهاب النوعيّ، بالانجليزيّة: Specific phobia)، هو خوف غير واقعي أو شديد من موقف، أو جسم، أو محيط. معيّن. تكون هذه المخاوف متواصلة، ويؤدي إلى تجنب الأشخاص المصابين بالرهاب المواقف التي قد يحدث فيها التعرّض. فعلى سبيل المثال، قد يكون الشخص لديه رهاب من الزيارات الطبيّة، أو زيارات طبيب الأسنان، أو الارتفاعات، أو الطيران، أو المصاعد، أو العناكب. ويُعد الرهاب المحدد من اضطرابات القلق.

يقسّم الدليل التشخيصيّ والإحصائي للاضطرابات النفسية الطبعة الخامسة (بالانجليزيّة: The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition، ويختصر: DSM-5) الرهاب المحدد لخمس فئات عريضة:

  • رهاب الحيوانات، مثل الخوف من العناكب، أو الكلاب، أو الحشرات.
  • رهاب البيئة الطبيعيّة، مثل الخوف من المرتفعات، أو العواصف الرعدية.
  • رهاب الدَّم و الإصابة والحَقْن، مثل الخوف من الإبَر أو الإجراءات الطبيّة.
  • رهاب ظرفي، مثل الخوف من الطيران، أو ركوب المصاعد.
  • أنواع أخرى، مثل الخوف من التقيؤ أو الخنق.

غالبًا ما يعلم الأشخاص المصابون بالرهاب المحدد أن قلقهم غير متناسب مع الخطر الذي يشكّله الجسم أو الموقف، ومع ذلك، يمكن للرهاب المحدد أن يسبب قلقًا شديدًا، وحتّى نوبات الهلع، عندما يواجه الشخص الموقف أو الجسم الذي يخافه.

قد يبزغ الرهاب المحدد في أي سن، لكنه عادة يبدأ في مرحلة الطفولة أو المراهقة، ويمكن أن تستمر الأعراض مدى الحياة. طبقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الطبعة الخامسة، تحدث الحالة عند النساء بمعدل الضعف مقارنة بالرجال. حوالي 75% من الأشخاص المصابين بالرهاب المحدد لديهم أكثر من رهاب واحد، والحالة المتوسطة لديها ثلاثة أنواع من الرهاب.

على الصعيد العالمي، تُسجّل البلدان الآسيوية، والأفريقية، وبلدان أمريكا اللاتينية، معدلات أقل بشكل ملحوظ من حالات الرهاب المحدد، بنسبة تتراوح بين 2 إلى 4 %، وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ.

ما هي أعراض اضطراب الرهاب النوعيّ؟

  • الخوف أو القلق العميق من جسم أو موقف محدّد، مما قد يتسبب في البكاء، أو الجمود، أو الفرار من الموقف، أو نوبة هلع.
  • يثير الجسم أو الموقف خوف أو قلق شبه فوْريّ على الدوام.
  • يتعمّد المريض تجنب الجسم أو الموقف.
  • لا يتناسب الخطر الذي يشكّله الجسم أو الموقف مع الخوف الذي يختبره المريض.
  • يُعَطّل الرهاب حياة الشخص اليوميّة.

عند الأطفال، يثير الرهاب المحدد عادةً البكاء، أو نوبات الغضب، أو التجمّد، أو التشبّث.

يغيّر الكثير من الأشخاص المصابين بالرهاب المحدد أسلوب حياتهم لتجنّب خوفهم قدر المستطاع، على سبيل المثال، ينتقلون إلى منطقة حيث تكون حيوانات معيّنة نادرة، أو حيث لا يوجد مترو أنفاق.

للوصول إلى تشخيص بالرهاب المحدد، يجب أن تستمر الأعراض على الأقل لمدة ستة أشهر، وألّا تكون ناتجة عن القلق الاجتماعيّ (بالانجليزيّة:  social anxiety)، أو قلق الانفصال (بالانجليزيّة: separation anxiety)، أو رهاب الخلاء (بالانجليزيّة: , agoraphobia)، أو اضطراب الكرب التالي للصدمة (بالانجليزيّة: post-traumatic stress disorder، ويختصر: PTSD)، أو اضطراب الوسواس القهري (بالانجليزيّة: obsessive-compulsive disorder، ويختصر: OCD).

ما هي الأنواع الأكثر شيوعًا من الرهاب؟

هناك العديد من أنواع الرهاب المحدد، بعضها سائِد بين الناس، وكثير منها نادر، وبعضها غير اعتياديّ لدرجة أنه لا يوجد مصطلحات لوصفها. تشمل بعض أنواع الرهاب الأكثر شيوعًا ما يلي:

  • رهاب العناكب (بالإنجليزيّة: Arachnophobia)
  • رهاب الحِقَن (بالإنجليزيّة: Trypanophobia)
  • رهاب الخلاء؛ وهو الخوف من عدم القدرة على الهرب من مكان معيّن (بالإنجليزيّة: Agoraphobia)
  • رهاب الظلام (بالإنجليزيّة: Nyctophobia)
  • رهاب الثعابين (بالإنجليزيّة: Ophidiophobia)
  • رهاب المهرجين (بالإنجليزيّة: Coulrophobia)
  • رهاب المرتفعات (بالإنجليزيّة: Acrophobia)
  • رهاب الطيران (بالإنجليزيّة: Aerophobia)
  • رهاب الكلاب (بالإنجليزيّة: Cynophobia)
  • رهاب الرعد والبرق (بالإنجليزيّة: Astraphobia)

كيف أعرف إذا كان طفلي مُصاب برهاب محدد؟

إن الخوف المفرط شائع عند الأطفال الصغار، ولكنه نادرًا ما يؤدي إلى رهاب لمدى الحياة. فالتعرّف على العالم هو جزء طبيعيٌّ من ارتقاء الطفل، وذلك يستلزم الخوف من بعض الأمور التي يكتشفها الطفل. وفي أغلب الأحيان، تنحسر هذه المخاوف مع مرور الوقت. عندما يستمر الخوف المُحدّد عند الطفل لأشهر أو سنوات، وإذا أبدى الطفل قلقًا ملحوظًا وتجنّبًا لما يخاف، فمن المحتمل تشخيص الرهاب المحدَّد بالتّشاور مع متخصِّص.

ما مدى شيوع الرهاب المحدد؟

وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الطبعة الخامسة، فإنّ نسبة انتشار الرهاب المحدّد في الولايات المتّحدة الأمريكية يتراوح ما بين 7-9% من سكّان. وجَدَ بحثٌ آخر تفاوت بالانتشار يمتد بين 3-15% من السكّان. ووجدت إحدى الدراسات أن الرهاب البيئيّ هو الأكثر شيوعًا، بينما رهاب الحيوانات شائع بدرجة أقلّ، ورهاب الدم والحَقن فهو الأقل شيوعًا.

ما هو سنّ ظهور الرهاب المحدد؟

تبدأ معظم أنواع الرهاب في مرحلة الطفولة، ولكن يمكن أن يتفاوت سن الظهور بشكل كبير. وجدت الأبحاث أن في حالات رهاب الحيوانات، يكون متوسّط سن الظهور حوالي 7 سنوات، وفي حالات رهاب الدم والحَقن هو حوالي 9 سنوات، في حين أنّ متوسط سن الظهور في حالات رهاب الأماكن المغلقة (بالانجليزيّة: claustrophobia) هو 20 سنة.

ما هي أسباب اضطراب الرهاب النوعيّ؟

في حين أنّ السبب الدقيق غير معروف، يتّضح أن بعض العوامل وسمات الشخصيّة تزيد من خطر تطوّر الرهابات المحددة. قد تؤدّي العُصابيّة والهموم المتكرّرة أيضًا إلى زيادة خطر الإصابة.

كذلك، يمكن لبعض التجارب المعيّنة أن تزيد من خطر الإصابة، مثل امتلاك والِدَيْن مفرطي الحماية، أو فقدان أحد الأبوين، أو الإساءة الجنسيّة أو الجسديّة، أو صدمة مرتبطة بالخوف من شيء مُحدّد.

قد تلعب الجينات دورًا أيضًا؛ الأفراد الذين لديهم قريب من الدرجة الأولى مصاب برهاب نوعي معيّن، لديهم احتماليّة أكبر للإصابة بالرهاب النّوعيّ نفسه.

هل الرهاب المحدد جينيّ أم مُكتسب؟

يتطوّر الرهاب المحدد أحيانًا بعد التعرض لحادثة صادمة (مثل هجوم من قِبَل حيوان)، أو بعد رؤية آخرين يمرون بحادثة صادمة (مثل مشاهدة أحد ما يغرق) أو بعد العِلم عن وقوع حادثة صادمة (مثل تحطم طائرة). على الرغم من ذلك، إن الكثير من الأشخاص المصابين بالرهاب النوعي غير قادرين على استحضار سبب بدء الرهاب لديهم، ولا يطوّر معظم الأشخاص الذين يختبرون أحداث صادمة رهاب حول ما مروا به.

مع ذلك، هناك أدلة على وجود أساس جيني للرهاب، لكن وفقًا للأبحاث، فإنه يظهر في أكثر الأحيان على شكل عُصابيّة أو قلق بدلًا من رهاب محدد. ومن الممكن أن يكون الرهاب موروثًا ولكن ليس من خلال الجينات؛ إذ يمكن للاتجاهات والمخاوف العائلية أن يتم تعليمها عبر الأجيال.

هل يؤثر الرهاب المحدد على النساء والرجال بشكل مختلف؟

وفقًا للدليل التشخيصيّ والإحصائي الطبعة الخامسة، فإن النساء  أكثر عرضة للإصابة بالرهاب المحدد بمرتين مقارنة بالرجال. وتُبَيّن الأبحاث أن الإناث أكثر عرضة من الرجال للإصابة برهاب الحيوانات والرهاب الظرفيّ والبيئيّ، في حين أن الرجال والنساء لديهم نفس معدّل الإصابة برهاب الدم والحقن.

هل الرهاب المحدّد ناتج عن التطوُّر؟

إنّ الدور الذي يلعبه التطور البشريّ في التسبب بالرهاب من شيء محدّد هو مسألة جدال في العالم الأكاديميّ. في حين أن العديد من أنواع الرهاب تتعلَّق بكائنات أو ظروف يمكن أن تقتلنا، مثل الأفاعي والعناكب والمرتفعات، إلّا أن أنواعًا رهاب أخرى لا تتوافق مع هذا المعيار. فالرهاب من الأسود الذي كان من الممكن أن يقتل الإنسان في العصر الحجري القديم، هو رهاب نادر الانتشار، في حين أن رهاب الرَخَويّات، الذي يمثل ضغطًا تطوريًا أقل بكثير، هو أكثر شيوعًا. ورهاب العناكب هو أحد أكثر أنواع الرهاب شيوعًا، رغم أن 0.1% فقط من العناكب خطرة. أنواع رهاب أخرى، مثل تلك المتعلقة بالطيران أو القيادة، ببساطة لم تكن موجودة في أذهان أسلافنا التطوريين. يطلق البعض على الرغبة في تفسير الظواهر الحديثة من خلال التطور اسم «مغالطة التكيّف».

ما هو علاج الرهاب من شيء محدّد؟

إن العلاج السلوكيّ المعرفيّ (بالانجليزيّة: Cognitive-behavioral therapy، ويختصر: CBT)، جنبًا إلى جنب مع العلاج بالتعرّض (بالانجليزيّة: exposure therapy)، هو النهج الرّائِد لعلاج الرهابات من أشياء محدّدة. تساعد تدخلات العلاج السلوكيّ المعرفيّ في تغيير التفكير والسلوكيات التي تسبب الضيق في بعض المواقف المعيّنة.

في العلاج بالتعرّض، يرشد المُعالج عادةً المريض نحو التعرّض التدريجي الحقيقي أو الافتراضي للجسم أو الموقف الذي يخافه، أحيانًا بالاقتران مع تمارين الاسترخاء. فقد أظهر الواقع الافتراضيّ وعودًا كأداة للعلاج بالتعرّض، وقد يوفّر فرصة للوصول لعدد أكبر من المرضى، برعاية متاحة ومعقولة التكلفة.

تُستَخدَم الأدوية مثل مثبطات بيتا (بالإنجليزيّة: beta-blockers) أحيانًا للتخفيف من القلق، على المدى القصير بشكل أساسيّ، مثل عندما تكون مواجهة الموقف المخيف ضروريّة أو لا مفرّ منها.

ما هي مخاطر الإصابة بالرهاب من شيئ محدّد؟

قد تنخفض جودة الحياة عند الأشخاص المصابين بالرهاب المحدد بسبب حالتهم، كما هو الحال مع اضطرابات القلق الأخرى. إن الأفراد المصابين بالرهاب المحدد أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 60% للقيام بمحاولة الانتحار مقارنة بالأفراد غير المُشَخّصين بالاضطراب. ولكن، من المحتمل أن هذه المعدلات المرتفعة تَرْجع أساسًا إلى تزامن اضطرابات الشخصية واضطرابات قلق أخرى مع الرهاب النوعي.

هل يمكن الشفاء من الرهاب من شيء محدّد؟

أحد العلاجات الرائدة للرهاب المحدد هو العلاج بالتعرّض، حيث يتعرّض الشخص ببطىء وتدرّج لما يخافه. فإذا كان الشخص المصاب يخاف من الثعابين، فقد يبدأ هذا النوع من العلاج بمعرفة المزيد عن الثعابين، ثم يتقدّم برؤية صوَر للثعابين، ثم الإمساك بثعبان لعبة، ثم الذهاب إلى حديقة الحيوان للنظر إلى ثعبان حقيقيّ، وأخيرا الإمساك بثعبان حي.

هذا العلاج، ليس بالضرورة أن «يشفي» من الرهاب، ولكنه يمكن أن يساعد الشخص المصاب في تطوير استجابات أكثر عقلانية في مواجهة الخوف، فالشخص الذي خضع لعلاج ناجح قد لا يحب الثعابين أو المهرجين، ولكنه لا يتفاعل بهلع أو باستجابة الكرّ أو الفرّ عند التعرّض لمُثْير.

المصادر+

فريق الاعداد
ترجمة: إيمان البحيري
مراجعة علمية: نازك هاشم
تحرير: إسلام سامي

التعليقات مغلقة.