اكتئاب ما بعد الولادة: أعراض، وأسباب، وعلاج
تحدث لدى بعض الأمّهات الجديدات بداية نوبة اكتئابيّة بسبب التغيّرات الهرمونيّة المفاجئة والكبيرة المتعلّقة بالحمل والولادة. في حين أنّ الاكتئاب الخفيف (بالإنجليزيّة: Mild Depression) –أو ما يُسمّى الكآبة النفاسيّة (بالإنجليزيّة: Baby Blues)- شائع، ويمكنه عكس التغيّرات الحياتيّة المصاحبة للأمومة الجديدة، تحدث لدى (3%) إلى (6%) من النساء بداية نوبة اكتئابيّة كبرى في الأسابيع أو الشهور التي تلي الولادة؛ ويُشار إليها عادةً باكتئاب ما بعد الولادة (بالإنجليزيّة: Postpartum Depression). يمكن أن يصاحب تلك النوبات قلق شديد، أو حتّى نوبات هلع. في حالات نادرة، يمكن أن يصاحب الاكتئاب سِمات ذهانيّة (مثل: الأوهام أو الضلالات، والهلاوس)؛ ويُطلَق عليه حينئذ ذهان ما بعد الولادة (بالإنجليزيّة: Postpartum Psychosis). في الواقع، وجد الخبراء أنّ بداية (50%) من النوبات الاكتئابيّة كانت فعليًّا قبل الولادة وليس بعدها؛ ويُشار إليها بالاكتئاب في الفترة المحيطة بالولادة (بالإنجليزيّة: Peripartum Depression). أوضحت الدراسات أنّ النساء اللواتي يعانين من أعراض اضطرابات المزاج والقلق خلال فترة الحمل معرّضان لخطر متزايد لحدوث نوبة اكتئابيّة كبرى بعد الولادة.
ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟
يُعرَف الشكل الأخفّ والأكثر شيوعًا لاضطراب الحالة المزاجيّة لدى الأمّهات الجديدات بحالة «الكآبة النفاسيّة». تحدث الأعراض بشكل تلقائيّ خلال أوّل (10) أيّام من بعد ولادة الطفل، وتميل للوصول إلى ذروتها من (3) إلى (5) أيّام بعد الولادة. على الرغم من أنّ الأعراض تكون مثيرة للضيق، عادةً ما تنحسر خلال (24 – 72) ساعة. تتضمّن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الشائعة ما يلي:
- القلق.
- الاكتئاب.
- التهيّج (سرعة الانفعال).
- الارتباك.
- نوبات بكاء.
- اضطرابات في النوم والشهيّة.
- انعدام المشاعر تجاه الطفل.
يمكن أن يحدث اكتئاب ما بعد الولادة في أيّ وقت خلال السنة الأولى من بعد ولادة الطفل، عادةً خلال أوّل (4) أسابيع من بعد الولادة؛ لكن أحيانًا يحدث بعد عدّة أشهر. يجب أن تستمرّ الأعراض لمدّة أسبوعين على الأقلّ، وأن تؤثّر على قدرة الأمّ على الأداء الوظيفيّ. تستمرّ معاناة الكثير من المريضات من الأعراض بعد (6) أشهر من بدايتها.
تتضمّن الأحداث التي تعرّض المرأة إلى اكتئاب ما بعد الولادة الآتي:
- حدوث اكتئاب ما بعد الولادة في السابق؛ حيث إنّ حدوثه لمرّة واحدة سابقة يمكنه زيادة خطر حدوثه مرّة أخرى بنسبة قد تصل إلى (70%).
- الاكتئاب غير المرتبط بالحمل؛ حيث إنّ نوبة سابقة يمكنها زيادة خطر الإصابة بنسبة (30%).
- الحالات الشديدة من المتلازمة السابقة للحيض (بالإنجليزية: Premenstrual Syndrome، واختصارها: PMS).
- الظروف الزوجيّة، أو الأسريّة، أو المهنيّة، أو الماليّة المجهدة.
- الحمل غير المرغوب فيه أو التردّد (التناقض) ناحية الحمل.
تتضمّن الأعراض التي تبلغ عن وجود اكتئاب ما بعد الولادة الآتي:
- المزاج الاكتئابيّ في غالبيّة اليوم وتقريبًا كلّ يوم.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت تُعتبَر ممتعة في السابق.
- اليأس وفقدان الأمل.
- أفكار عن الانتحار و/أو قتل الرضيع.
- الخوف من إيذاء المولود.
- قلة الانشغال بالمولود أو الانشغال الزائد به.
- الشعور بالذنب، وعدم الكفاية (النفسيّة)، وعدم الاستحقاق.
- قلّة التركيز وضعف الذاكرة.
- أفكار غريبة.
- هلاوس.
- كوابيس.
- نوبات هلع
- تهيّج أو خمول.
هل يرتبط ذهان بعد الولادة باكتئاب ما بعد الولادة؟
نعم. يحدث ذهان ما بعد الولادة بمعدّل (1) إلى (2) من كلّ (1000) ولادة. عادةً ما تحدث الأعراض خلال أوّل (4) أسابيع تالية للولادة؛ لكن يمكن ظهورها في أيّ وقت لمدّة قد تصل إلى (90) يومًا بعد الولادة. يتميّز ذهان ما بعد الولادة بالبداية السريعة والشديدة. تكون النساء المصابات بهذا الاضطراب ضعيفات بشدّة، ويعانين من الأوهام والهلاوس -وأحيانًا مع هلاوس آمرة تحثّ على قتل الرضيع أو أنّ الرضيع ممسوس– ويصبحن في خطر الانتحار أو قتل الرضيع.
ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟
تؤثّر العوامل البيولوجيّة، والنفسيّة الاجتماعيّة، والثقافيّة على اكتئاب ما بعد الولادة، إلّا أنّ أسبابه غير معروفة بشكل محدّد.
تتغيّر مستويات الهرمونات بشكل مفاجئ وكبير خلال فترة الحمل، والولادة، وفترة ما بعد الولادة (النفاس). بناءً عليه، يفحص الباحثون احتماليّة وجود علاقة بين التحوّلات المفاجئة في مستويات الهرمونات و اكتئاب ما بعد الولادة.
تحتاج الأمهات الجديدات إلى مستويات مرتفعة من الدعم في دورهنّ الجديد؛ إذ يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة الذي يمتدّ لفترة طويلة بافتقار الدعم الاجتماعيّ. لا تحتاج الأمّهات الجديدات إلى الدعم العاطفي فقط؛ بل إلى الدعم داخل المنزل أيضًا، والذي يتضمّن المساعدة في أعمال المنزل والعناية بالطفل. قد تفتقد الأمّ العزباء والنساء اللاتي لديهنّ عدد قليل من أفراد الأسرة بالقرب منهنّ إلى هذا النوع من الدعم.
الأرق والتعب من الشكاوى الشائعة بعد ولادة الطفل؛ إذ إنّ الولادة تكلّف الأمّ قوّتها، ويمكن أن تحتاج إلى عدّة أسابيع لتتعافى. وبشكل خاصّ، الولادة القيصريّة جراحة كبرى وتتطلّب وقتًا أكبر للتعافي. بالإضافة إلى الطاقة التي تبذلها الأمّ الجديدة في عناية الطفل على مدار الساعة، وتولّيها مسئوليّات أخرى، غالبًا ما تكون فترات راحتها غير كافية بشكل شبه دائم. يمكن للتعب الناتج زيادة قابليّة النساء للإصابة بالاكتئاب.
يمكن لتغيّر دور الأمّ تغذية شعورها بعدم الكفاية.
يمكن أن يؤثّر موقف المرأة تجاه حملها على خطر الإصابة باكتئاب الفترة المحيطة بالولادة أو اكتئاب ما بعد الولادة. من الشائع أن تشعر المرأة بالشكّ عند الحمل خاصّةً عندما يكون غير مخطّط له، كما أنّ النسبة الأكبر من حالات الاكتئاب كانت بين النساء اللاتي كنّ متردّدات حول الحمل. يمكن أن تسبّب الخسارة المبكّرة للأمّ أو العلاقة السيّئة بين الأم وابنتها مشاعر متناقضة لدى المرأة نحو مولودها الجديد، وقد تخاف من إمكانيّة أن تؤدّي العناية بطفلها إلى الألم، أو الخذلان، أو الفقد.
يمكن أيضًا أن تؤثّر زيادة الوزن خلال فترة الحمل على الثقة بالنفس وتزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب. كما يمكن لمشاكل الرضاعة الطبيعيّة أن تؤثّر بنفس الشكل.
يمكن أن ترتبط المدة الزمنيّة التي تقضيها الأمّ في المستشفى برفاهها العاطفيّ. يوجد إثبات على أنّ الخروج المبكّر من المستشفى يزيد من خطر حدوث الاكتئاب..
تُعَدّ ولادة الطفل الأوّل بشكل خاصّ حدثًا مجهدًا للأمّهات الجديدات، ويبدو أنّه يوجد علاقة قويّة بينها وبين الاكتئاب أكثر من علاقة ولادة طفل ثان أو ثالث بالاكتئاب.
هل تؤثّر الولادة القيصريّة أو الولادة المبتسرة على صحّة الأمّهات النفسيّة؟
النساء اللواتي يلدن بالولادة القيصريّة معرّضات بشكل أكبر للشعور بالاكتئاب وقلّة الثقة بالنفس عن النساء اللاتي يلدن ولادة مهبليّة طبيعيّة، والأمّهات اللاتي يلدن أطفالًا مبتسرين كثيرًا ما يصبن بالاكتئاب. ينتج عن الولادة المبكّرة تغيّرات غير متوقّعة في الروتين اليوميّ، وتُعَدّ عامل إجهاد إضافيّ. يجعل الطفل المصاب بعيب خلقيّ التأقلم بالنسبة للوالدين أمرًا أكثر صعوبة.
هل يختلف معدّل إصابة باكتئاب ما بعد الولادة باختلاف الثقافات؟
تشير الدراسات عبر الثقافات إلى أنّ معدّل الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة -وليس الذهان- أقلّ بكثير في الثقافات غير الغربيّة. يبدو أنّ تلك الثقافات توفّر للأمّ الجديدة مستوى من الدعم العاطفيّ والجسديّ مفتقَدًا بشكل كبير في المجتمعات الغربيّة. تعترف الثقافات الأكثر تقليديّة باحتياجات الأمومة بشكل أكبر؛ وبالتالي تحصل الأمّ الجديدة على التأكيد بأنّ عدم الراحة الذي تختبره سوف يمرّ، وأنّها لن تضطرّ لمواجهة هذه المشاعر بمفردها.
ما هو علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟
يُعالَج اكتئاب ما بعد الولادة مثل باقي أنواع الاكتئاب الأخرى؛ والعلاجات الأكثر شيوعًا للاكتئاب هي:
- العلاج النفسيّ.
- المشاركة في مجموعات الدعم.
- أدوية مضادّات الاكتئاب.
- توليفة من كلّ هذه العلاجات.
أمّا الأدوية المستخدمة والأكثر شيوعًا لعلاج الاكتئاب فهي مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة (بالإنجليزية: Selective Serotonin Reuptake Inhibitors، واختصارها: SSRIs).
يمكن للعديد من أشكال العلاج النفسيّ -بما فيها علاجات قصيرة الأجل تمتدّ من (10) إلى (20) أسبوعًا- مساعدة الأشخاص المصابين بالاكتئاب. كما أنّ العلاج بالكلام يساعد المرضى على إدراك مشاكلهم وحلّها من خلال الحديث المتبادل مع المعالج النفسيّ. يُجمَع ذلك أحيانًا مع واجبات منزليّة بين الجلسات.
يمكن للمعالجين السلوكيّين مساعدة المرضى على تعلّم كيفيّة اكتساب شعور أكبر بالرضا والمكافآت من خلال أفعالهم الخاصّة، ومحو تعلّم الأنماط السلوكيّة التي تساهم في حدوث الاكتئاب أو تنتج عنه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعلاج النفسيّ مساعدة الفرد على فهم ما الذي يحفّز ظهور الأعراض الخاصّة به، والطريقة المثلى للتعامل مع ضائقته.
هل يمكن أن تؤثّر أدوية الاكتئاب على الرضاعة الطبيعيّة؟
كما هو الحال مع الأدوية الأخرى، يمكن لمضادّات الاكتئاب الانتقال إلى حليب الثدي. لذا يجب على النساء المرضعات التحدّث مع الأطبّاء المتابعين لحالتهنّ من أجل تحديد العلاج المناسب.
التعليقات مغلقة.