اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة: أعراض، وأسباب، وعلاج
يعاني الفرد المصاب باضطراب الشخصيّة الاعتماديّة (بالإنجليزيّة: Dependent Personality Disorder) من احتياج يتميّز بالاعتماد المفرط على الآخرين؛ إذ تعتمد احتياجاته العاطفيّة والجسديّة على الأشخاص الأكثر قربًا منه.
يُوصَف اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة على أنّه احتياج متغلغل ومفرط للرعاية، يؤدّي إلى سلوك خاضع، ومتشبّث، إضافة إلى مخاوف من الانفصال. يبدأ هذا النمط في مرحلة الرشد المبكّر، ويتواجد في سياقات متنوّعة. تتشكّل السلوكيّات الاعتماديّة والخاضعة بهدف الحصول على الرعاية، وتنشأ من التصوُّر الذاتيّ للعجز عن أداء الوظائف بشكل ملائم من دون المساعدة من الآخرين.
يواجه الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة الاعتماديّة صعوبة كبيرة في اتّخاذ القرارات اليوميّة -كأن يقرّروا ماذا يرتدون من ملابس- من دون اللجوء إلى النصائح والطمأنة المفرطة من الآخرين. يميل هؤلاء الأفراد إلى السلبيّة، كما يسمحون للآخرين -عادةً ما يكون شخصًا واحدًا- بأخذ زمام المبادرة، وتحمُّل مسؤوليّة معظم نواحي حياتهم الرئيسيّة. عادةً ما يعتمد الراشدون المصابون بهذا الاضطراب على أحد الوالدين، أو شريك الحياة؛ بهدف اتّخاذ القرارات بشأن المكان الذي عليهم السكن فيه، ونوع الوظيفة التي عليهم شَغْلها، والأشخاص الذين عليهم مصادقتهم. أمّا المراهقون المصابون بهذا الاضطراب فمِن المحتمل أن يسمحوا لأحد الوالدين باتّخاذ القرارات حول الملابس التي عليهم ارتداؤها، والأشخاص الذين عليهم الارتباط بهم، وكيف عليهم قضاء وقت فراغهم، والمدرسة أو الكلية التي عليهم الالتحاق بها.
يسعى الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة الاعتماديّة للحصول على الدعم والموافقة. بناءً عليه، يجدون أنفسهم عاجزين عن التعبير عن آرائهم أو تبايُنها عن آراء الآخرين، خصوصًا أولئك الذين يعتمد الأفراد المصابون عليهم.
يشعر الأفراد المصابون بأنّهم غير قادرين على أداء وظائفهم بمفردهم إلى الحدّ الذي يفضّلون فيه الاتّفاق على الأشياء التي يشعرون أنّها خاطئة، على أن يخاطروا بفقدان مساعدة أولئك الذين يلجأون إليهم للتوجيه. يجد الأفراد المصابون صعوبة في بدء المشاريع أو العمل باستقلاليّة.
يمكن أن يبذل الأفراد المصابون قصارى جهدهم للحصول على العطف والدعم من الآخرين. في الواقع، قد يتطوّعون في مهامّ غير سارّة بالنسبة إليهم إذا كان سلوكهم هذا سوفّر لهم الرعاية التي يحتاجون إليها. يشعر الأفراد المصابون بعدم الارتياح أو العجز عندما يكونون بمفردهم؛ بسبب مخاوفهم المبالغ فيها بشأن عدم قدرتهم على رعاية أنفسهم.
يتّسم اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة بعدم المرونة، وسوء التكيّف. كما يمكن أن يسبّب خللاً وظيفيًّا وضيقًا.
أعراض اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة
لا يثق الأشخاص المصابون باضطراب الشخصّة الاعتماديّة في قدرتهم على اتّخاذ القرارات، ويشعرون أنّ الآخرين مجهّزون بشكل أكبر. يمكن للأشخاص المصابين الشعور بالدمار نتيجة للخسارة والانفصال، كذلك تحمُّل الإساءة بهدف الحفاظ على علاقة ما. من المحتمل أيضًا أن يستخفّوا بأنفسهم وقدراتهم، وينعتون أنفسهم بالأغبياء في كثير من الأحيان.
يضيف الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ الخامس للاضطرابات النفسيّة (بالإنجليزيّة: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition، واختصاره: DSM-5) أنّ الاحتياج المتغلغل والمفرط للرعاية يشكّل عرضًا من أعراض اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة. يؤدّي هذا الاحتياج إلى سلوك خاضع، ومتشبّث، إضافة إلى مخاوف من الانفصال؛ بدءًا من مرحلة الرشد المبكّر. يتواجد هذا الاحتياج في مجموعة متنوّعة من السياقات، كما يتّضح في (5) على الأقلّ ممّا يلي:
- صعوبة في اتّخاذ القرارات اليوميّة من دون قدر مفرط من النصائح والطمأنينة المستمدّة من الآخرين.
- الحاجة إلى أن يتحمّل الآخرون المسؤولية عن معظم النواحي الرئيسيّة في حياتهم.
- صعوبة في التعبير عن عدم اتّفاقهم مع الآخرين بسبب الخوف من فقدان الدعم أو الموافقة. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الصعوبة لا تتضمّن المخاوف الواقعيّة من المجازاة.
- صعوبة في بدء المشاريع، أو القيام بالأشياء بمفردهم؛ بسبب نقص الثقة بالنفس في الحكم أو القدرات عوضًا عن نقص الدافع أو الطاقة.
- الذهاب إلى أبعد الحدود للحصول على العناية والدعم من الآخرين، إلى درجة التطوّع للقيام بأشياء غير سارّة.
- الشعور بعدم الارتياح أو العجز عندما يكونون بمفردهم؛ بسبب مخاوف مبالغ فيها بشأن عدم القدرة على رعاية أنفسهم.
- السعي للانخراط سريعًا في علاقة أخرى كمصدر للرعاية والدعم عندما تنتهي علاقة وثيقة.
- الانشغال بمخاوف غير واقعيّة مِن تَركهم للاهتمام بأنفسهم.
كيف يستجيب الشخص ذو الشخصية الاعتماديّة عندما تنتهي علاقة ما؟
عندما تنتهي علاقة وثيقة، يمكن أن يسعى الأفراد المصابون باضطراب الشخصية الاعتماديّة إلى الانخراط عاجلًا في علاقة أخرى؛ لتوفير الرعاية والدعم الذي يحتاجون إليه. ومن الأمثلة على انتهاء العلاقات الوثيقة: الانفصال عن الحبيب، أو وفاة مقدّم رعاية.
هل تنجذب الشخصيّات الاعتماديّة إلى الشخصيّات النرجسيّة أو الهستيريّة؟
تندرج الشخصيّات النرجسيّة، والهستيريّة، والحديّة، والمعاديّة للمجتمع ضمن اضطرابات الشخصيّة من المجموعة (ب)، والتي تتّسم بعدم الانتظام، والسلوك الدراميّ. ينجذب الأشخاص ذوو الشخصيّات الاعتماديّة إلى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات المجموعة (ب). في الواقع، سيمنح الشخصُ ذو الشخصيّة الاعتماديّة الشخصَ المصاب باضطراب من المجموعة (ب) ما يحتاجه بالضبط من الثناء والتقدير الكبير. بناءً عليه، تتحوّل العلاقة إلى نوع من العلاقة التكافليّة، يكون فيها الشخص المصاب باضطراب من المجموعة (ب) الشخصَ المسؤول الذي يتّخذ جميع القرارات.
أسباب اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة
إن سبب اضطراب الشخصّية الاعتماديّة غير معروف. عادةً ما يظهر الاضطراب في مرحلة الرشد المبكّر. يمكن أن يكون الأفراد الذين عانوا من اضطراب قلق الانفصال أو مرض جسديّ المزمن في الطفولة أو المراهقة أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
يُقدَّر معدّل انتشار الاضطراب بين عامّة السكان بأقلّ من (1%)؛ علمًا أنّه يصيب النساء أكثر من الرجال.
هل اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة هو اضطراب من المجموعة (ج)؟
نعم. اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة هو اضطراب من المجموعة (ج). وتشمل اضطرابات الشخصيّة الأخرى في المجموعة (ج) اضطراب الشخصيّة الاجتنابيّة، واضطراب الشخصيّة الوسواسيّة القهريّة. يعاني أغلب الأشخاص المصابين باضطراب من اضطرابات المجموعة (ج) من أفكار وسلوكيات خائفة أو قلقة.
علاج اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة
يجب على الأشخاص المصابين باضطراب الشخصيّة الاعتماديّة النظر للعلاج النفسيّ بعين الاعتبار. يركّز العلاج المعرفيّ السلوكيّ (بالإنجليزيّة: Cognitive Behavioral Treatment، واختصاره: CBT) على أنماط التفكير سيّئة التكيّف، والمعتقدات التي تكمن وراء هذا التفكير الاعتماديّ، وحلّ الأعراض أو السمات التي تميّز الاضطراب، مثل: عدم القدرة على اتّخاذ قرارات حياتيّة مهمّة، أو عدم القدرة على تقاسم السلطة في العلاقات. غالبًا ما يتطلب هذا الاضطراب علاجًا طويل الأمد.
يمكن وجود حالات أخرى كامنة وراء الإصابة باضطراب الشخصيّة الاعتماديّة؛ ما قد يجعل الدواء مفيدًا. غالبًا ما يتمّ وصف مضادّات الاكتئاب، والمسكّنات، والمهدّئات للمرضى الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة الاعتماديّة بهدف علاج الحالات المصاحبة.
التعليقات مغلقة.